علي حسين منذ أسابيع وعددٌ من السياسيين مصرون على ارتداء معطف وقبعة صدام والتلويح ببندقيته، مقدمين أنفسهم بطبعة جديدة ومنقحة من نموذج البطل القومي المقاوم لأطماع الأكراد، متحدثين ليل نهار عن المؤامرة التي على السيادة الوطنية مطلقين صيحة مدوية: لن نركع أبداً. هؤلاء في تقديري هم آخر من يتحدث عن الوطنية ومصلحة البلاد، فهم المسؤولون عن إدخال العراق إلى كل بيوت الطاعة التي توزعت في معظم دول الجوار. سيتهمني البعض من القراء بأنني منحاز للكرد..
وسأواجه بنفس التعليقات التي يكتبها البعض: لماذا أتجرأ دائما على انتقاد الحكومة وائتلاف المالكي وبعض الساسة ولا أجرؤ على مجرد الحديث عن الكرد وكردستان.. وهو تساؤل يطالبني اصحابهم أن أوزع انتقاداتي بالتساوي.. إذن مطلوب مني أن انتقد طرفا كرديا كلما وجهت سهام نقدي إلى أي تقصير تقوم به الحكومة.ولسوء الحظ فإن مواقع إعلامية ممولة من أحزاب وسياسيين تعج كل يوم بحروب وشحن طائفي يمثل شرارة لحرائق يصرّ البعض على إشعالها، ولسوء الحظ نقرأ كل يوم لمسؤولين كبار يدعون إلى حرب ضروس ضد إخوة لنا في الوطن، بعض هؤلاء يفعلون ذلك لأنهم متعصبون، والبعض الآخر لأنه يجهل أن عمله قد يقودنا إلى مصيبة، وآخرون يفعلون ذلك متعمدين كي يهدوا الوطن على كل من فيه. معتقدين أن تحقير الآخر والقضاء عليه أولوية تتجاوز ملفات الخدمات والإصلاح السياسي والانفلات الأمني.. الحاصل إن البعض يريد لنا أن نعيش أجواء كوميديا سياسية ساذجة تقوم على محاولة اختراع عدو وهمي وتصدير أوهام للناس البسطاء من أن العالم كله متورط في مؤامرة امبريالية صهيونية لإسقاط النموذج الثوري في العراق ومحاصرته وإجهاض هذه التجربة الديمقراطية الرائدة في المنطقة.. كلام وخطب وشعرات اقرب إلى الهلوسة منها الى السياسة، ذلك انه في الوقت الذي يتحدث البعض عن السيادة الوطنية والكرامة العراقية ويصرون على خوض حربا داحس والغبراء ضد شركائهم في الوطن، فأنهم يقدمون البلاد وثرواتها على طبق من ذهب إلى معظم دول الجوار، ويستثمرون حناجرهم في بورصة الشحن الطائفي والعنصري وفي شتم كل من يختلف معهم. اليوم يستنفذ الذين التصقوا بكراسي الحكم كل الألاعيب والحيل وسيناريوهات الرعب والخراب والدم من أجل الالتفاف على استحقاقات مشروعة ينتظرها الناس كل يوم، في مناسبات عدة كانوا يستبقون مطالب الناس المشروعة بافتعال الأزمات ذاتها، صراع بين المالكي والمطلك.. تفجير البرلمان..فتح السجون أمام الإرهابيين، تعطيل المشاريع.. غياب الخدمات.. والانفلات الأمني. قيل ايام خرج علينا رئيس الحكومة ومعه أجهزته الإعلامية والأمنية وهم يحذرون العراقيين من خطر جديد اسمه قوات البيشمركة.. وكيف أنها تريد أن تهدد الحياة الهانئة التي تعيشها مدن بغداد والبصرة والانبار وميسان والحلة، وقرأنا سيلا من البيانات والشتائم تطالب بتطهير العراق من هذه الزمر المتآمرة على مستقبل البلاد، وسعى البعض إلى إيهام الناس بان المشكلة ليست في غياب الأمن ولا في ارتال الفاسدين اللذين يعششون في معظم مؤسسات الدولة، ولا في غياب ابسط شروط العيش، ولا في البطالة وازدياد معدل الفقراء، ولا في فوضى التعليم، ولا في جيوش الأيتام والأرامل الذين يعيشون على هامش الحياة، وانما في اعداء النجاح المتربصين للانقضاض على المكاسب التي حققتها حكومة المالكي، وفي الوقت الذي يصر البعض على تجنيد القوات الامنية لخوض معركة المصير مع إقليم كردستان، تضبط كوارث الخروقات الأمنية مسؤولينا وهم متلبسون بحالة من العمى أصابت عقولهم قبل أبصارهم. وفي الوقت الذي يأمر المالكي فيه بحفر خنادق قبالة كردستان نجد ساحة الأندلس زهرة العاصمة بغداد تذبح من الوريد إلى الوريد.. وسط صمت حكومي مخجل.. ضحايا أبرياء ذنبهم أنهم صدقوا ان المعركة الأمنية حسمت وان السيد المالكي اكتشف من هم الأعداء وسوف يقضي عليهم، فإذا بالمفخخات والمسلحون يتربصون بهم وفي وضح النهار وبسمع ومرأى من الأجهزة الأمنية.المشكلة أن الذين يصطنعون الأزمات، لا يدركون أن الناس تملك وعيا، وتدرك أن ما جرى ويجري خلال السنوات الماضية إنما هو صراع من اجل المصالح يرافقه انعدام رؤية للمشاكل الحقيقية التي تعاني منها البلاد. والسؤال الآن الى أين يمضي بنا سيناريو السيد المالكي.. لسوء الحظ أن مجريات الاحداث تؤكد ان السيناريوهات ربما تطيل من عمر الحكومة.. لكنها بالتأكيد تقصر من عمر الوطن.
العمود الثامن :خنادق المالكي.. ومذبحة الاندلس
نشر في: 31 يوليو, 2012: 09:50 م