حازم مبيضينظلت العلاقات المتأزمة بين الحكومة الاتحادية في بغداد، وسلطات إقليم كردستان، تتمحور في ظاهر الأمر على مجموعة من القضايا الداخلية، كتوزيع الثروة، والمناطق التي اكتسبت صفة المتنازع عليها، وحدود التدخل الممكن لبغداد في الشأن الكردي، غير أن ما تحت الرماد كان أمراً مختلفاً بالكامل،
وهو يتعلق أساساً بالدور الإقليمي الذي تسعى قيادة الإقليم للقيام به، وترفضه بغداد بالكامل، لقناعتها بأنه يضعف دورها أولاً، ويخل بمعادلة تحالفاتها الإقليمية، وليس سراً أن علاقاتها بطهران ظلت محور هذه التحالفات، وأنها للحفاظ عليها مستعدة للذهاب إلى أي مدىً لم يكن متصوراً او قابلاً للتصديق، وخير مثال تراجع حكومة السيد المالكي عن كل الاتهامات التي كالتها للنظام السوري بدعم الإرهاب، وتغاضيها عن احتضان دمشق لرموز من البعث الصدامي، لم ولن تعترف بشرعية كل ما جاء في العراق بعد العام 2003.في الأشهر الماضية تصاعدت حدة الصراع، بعد أن تحالفت أربيل مع قائمة العراقية والتيار الصدري، في محاولة لإطاحة المالكي تحديداً من موقعه، غير أن طبيعة هذا التحالف بين مختلفين جذرياً، إضافة إلى نأي رئيس الجمهورية عنه، وتفضيله الحفاظ على علاقته بالحكومة الاتحادية الحالية، منعت من تحقيق الهدف، لكن ذلك ترك ندبة عميقة بين البارزاني والمالكي، انضافت إلى مجموعة من الجروح الغائرة في العلاقة بين المركز وأربيل، وتفجرت قضايا جديدة قديمة بين الطرفين تتعلق بالتسلح، وامتيازات التنقيب عن النفط، لكنها جميعاً لم تكن قادرةً على الوصول بتلك العلاقة إلى مرحلة القطيعة أو تبادل إطلاق النار.أتت التطورات المتسارعة على الأزمة السورية لتكشف عمق الأزمة، فقيادة الإقليم وهي تعتبر نفسها مسؤولة شرعاً عن مصائر الأمة الكردية، أبدت الكثير من التعاطف والدعم لمطالب الكرد السوريين، فيما التزمت بغداد الموقف الإيراني المؤيد لنظام الأسد، وبغض النظر عن التفاصيل المعروفة للجميع، فإن الذروة كانت في رفض قيادة الإقليم، انتشار قطعات من الجيش العراقي في المناطق المحاذية للأراضي السورية، وهي مناطق ظلت هادئة، ولا تحتاج لحماية إضافية ما دامت قوات البيشمركة تسيطر عليها، ورأت بغداد في الأمر تحدياً لسلطتها التي تفترض أنها تمتد على كل العراق، بغض النظر عن كون بعض مناطقه تتمتع بالحكم الذاتي، كإقليم كردستان.واقع الأمر أن هناك ما يشبه التحالف المستتر بين أربيل وأنقره، والمعلن بين بغداد وطهران، وأن هناك مخاوف عند السيد البارزاني، من سعي إيران لإيجاد ممر عبر أراضي الإقليم، يتيح التواصل مع الأراضي السورية، بهدف دعم النظام، وبديهي أن ذلك يصب في غير مصلحة العلاقات الكردية التركية، وأيضاً في غير مصلحة الكرد السوريين، وهنا يتبدى بوضوح الدور الإقليمي الذي تتبناه قيادة الإقليم، وهو يتعارض مع توجهات بغداد، وقد يكون سبباً في اندلاع نزاع مسلح بين الطرفين، يشكل شرارة حرب إقليمية، تنخرط فيها تركيا بتحالفها الأطلسي، وإيران بدوافعها المذهبية، وتمتد ذيولها إلى حلفاء الطرفين في المنطقة، وليس بمقدور أحد التكهن بنتائجها، على خارطة الإقليم، لكنها ستكون كارثية بكل تأكيد.اليوم يجد إقليم كردستان العراق نفسه في بؤرة مثلث ملتهب، حدوده إيران وتركيا وسوريا، وهو غير قادر على الوقوف محايداً في الصراع الدائر عند جواره، خصوصاً وهو يمس مصير بعض أبناء جلدته، الذين تجري محاولات حثيثة لشق صفهم، وزجهم هم أيضاً في هذا الصراع، من خلال تحالف بعضهم مع حزب العمال الكردستاني التركي المناوئ لحكومة أنقره، والمستعد عملياً للانخراط في أي صراع يأمل منه تحقيق أهدافه، وقيادة إقليم كردستان العراق بالتأكيد لا تلعب بالنار، بقدر ما تحاول إبعاد شررها عن أراضيها، والحفاظ على مكتسبات شعبها التنموية والسياسية في الوقت عينه، والمهم التأكيد اليوم أن مخاوف أربيل من طبيعة علاقتها ببغداد، كانت محقة وفي محلها.
في الحدث: الأزمة السورية تؤجّج الصراع بين بغداد وأربيل
نشر في: 1 أغسطس, 2012: 10:55 م