عامر القيسيكالعادة بعد كل خرق أمني كبير، كالذي حصل في مديرية مكافحة الإرهاب، ستتشكل لجنة خاصة للتحقيق في الحادث وستخرج اللجنة باستنتاج عن خرق أمني وتقصير وتواطؤ من بعض العناصر ضباطا أو مراتب، وهو تقليد تعودنا عليه في كل حالة مشابهة، دون البحث العميق والدقيق في الأسباب الحقيقية وهي أسباب من وجهة نظرنا متعلقة بالتحديد باستراتيجة الأمن التي تتبناها أجهزتنا الأمنية وقياداتها.
لسنا خبراء في هذا الاختصاص لكن كثرة الخروقات وتعددها نوعيا وكميا وفي فترات متعاقبة تقودنا إلى هذا الاستنتاج، وهو ليس اكتشافا ولا اختراعا، فهو استنتاج متداول بين الأوساط السياسية والأمنية على حد سواء، وتجري بين هذه الفترات تغييرات في بعض القيادات لكن نمط العمل الأمني يبقى كما هو!لماذا؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن تجيب عليه الحكومة والقيادات الأمنية التي تتبجح أمام الفضائيات أن الوضع مسيطرعليه، حتى العمل الإرهابي الأخير، تقول عنه تلك القيادات بأنها أفشلت هدفه!! في تهريب إرهابيين من مديرية مكافحة الإرهاب، لكن تفجير سيارتين وارتفاع عدد الضحايا إلى أربعين عراقيا والنزول المسلح وسط بغداد أمام أنظار الجميع واختراق أسوار الدائرة الأمنية المحصنة لا تعتبره قياداتنا الأمنية نجاحا للإرهابيين، كما هو الحال في 14 تفجيرا طال خمس محافظات في ساعة واحدة الشهر الماضي التي عبر عنها قادة الأمن لدينا بأنها تعبر عن يأس الإرهاب من تحقيق أهدافه!!إن العقلية التي تسوّق لنا مثل هذه التبريرات، من سياسيين وأمنيين، هي المسؤولة المباشرة عن هذا الانفلات الأمني مادامت أدواتها المفضلة تشكيل اللجان التحقيقية وإجراء تغييرات فوقية في بنية الأجهزة الأمنية، وهي العقلية التي لا تستطيع أن تستوعب فشلها في الحفاظ على أرواحنا وأرواح عوائلنا، وهي العقلية التي ترفض الاعتراف بالبعد السياسي للمشكلة أولاً وفي عقم إستراتيجية الدفاع لديها ثانيا وفي تغييب المواطن نهائيا من أن يلعب دوره في أمن البلاد ثالثا وهو صاحب المصلحة الحقيقية لأنه من يدفع الثمن في النهاية وليس من أدمنوا الفضائيات والتبريرات وتشكيل اللجان التحقيقية من نفس المؤسسات التي يجري الحديث عن خروقات حتى في قياداتها!عشرات المرات طالبنا بأن تكون لدينا إستراتيجية أمنية تعتمد الأبعاد السياسية والاقتصادية والإعلامية والأمنية في مفرداتها، وأن تنقذ المواطنين من حلولها العقيمة التي تتراوح بين زيادة السيطرات بعد الاحداث أو شن حملة من الاعتقالات توجه لها التهم بأنها عشوائية وغير قائمة على معلومات استخبارية صحيحة وغيرمتفقة مع القوانين وحقوق الإنسان. بعد كل تفجير إرهابي تزداد السيطرات وترتبك حركة الناس في الشوارع وتتصاعد الاحتجاجات الشعبية وقبل أن تبرد دماء ضحايا تفجير سابق نفاجأ بسلسلة تفجيرات جديدة نوعية وكمية، فيما لانفاجأ نهائيا بصور الجنرالات من على شاشات الفضائيات وهم يقدمون لنا كشفا بأعداد الضحايا من الشهداء والجرحى،الذين ينتظر بعضهم العوق الجسدي، ويبشروننا بتشكيل لجان التحقيق ويقولون لنا ما نعرفه من أن الموضوع عبارة عن خرق أمني ستتم معالجته بلجان التحقيق!!
كتابة على الحيطان: افتحوا التحقيق...
نشر في: 1 أغسطس, 2012: 11:08 م