احمد المهناالتغييرات التاريخية تحدث بسرعة وتُدرك ببطء. وقد واجه العالم العربي أحد أهم هذه التغييرات مع حرب الخليج الثانية التي تسبب بها الغزو العراقي للكويت. وكان السبب والنتيجة من أكبر الأحداث التي واجهت العرب في تاريخهم الحديث منذ الحرب العالمية الأولى.
ان الوعي العربي لم يهضم المتغيرات الناشئة عن الحرب العالمية الأولى، وأهم هذه المتغيرات هو قيام الدول والإمارات الجديدة في المشرق، وظهور نظام عالمي جديد. فلسنوات قليلة قبل نهاية الحرب، كانت "الثورة العربية" قد انطلقت من الجزيرة، عام 1916، وكانت ناطقة أو معبرة عن تطلع نخب عرب آسيا، في بلاد الشام والعراق، فضلا عن الجزيرة.كانت أهم تلك المتغيرات هو خروج دول عربية جديدة من معطف الدولة العثمانية، ونتيجة لهزيمتها في الحرب الأولى، وهي سوريا ولبنان والعراق والأردن ولبنان، بينما تواصل الصراع بين عبد العزيز آل سعود والشريف حسين على الجزيرة. وكان أول الرافضين لخريطة الدول الناشئة هو الشريف حسين، زعيم "الثورة العربية". فقد أراد تأسيس دولة عربية مشرقية واحدة تحت قيادته. واستجابت لهذا التطلع النخب الشامية والعراقية التي انخرطت معه في الثورة. ولذلك لم تحظ الدول العربية الناشئة بقبول الوعي العربي السائد. فقد اعتبرت "كيانات مصطنعة" انتجتها اتفاقيات سايكس بيكو الشهيرة بين بريطانيا وفرنسا. وقد وضعت هذه الرؤية عرب المشرق لأول مرة في تعارض مع حقائق وسلطات السياسة الدولية الجديدة. وكانت دراما الشريف حسين احدى نتائج هذا التعارض. فقد كان أول "الرافضين" العرب وأكبرهم، وهو ما انتهى به الى خسارة كل شيء، والى المقام في المنفى، ثم الموت تأثرا بمهانة ضابط بريطاني فظ في قبرص.بذرة "الرفض العربي" لما سيعرف بالشرعية الدولية عموما، وللغرب خصوصا، ظلت تنمو وتتسع في كل مناسبات التاريخ اللاحقة، وخصوصا منها قيام دولة اسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، وتحولت الى موجة كاسحة بعد ثورة مصر. وقد وضع التاريخ عبد الناصر في الموقع الذي وضع فيه الشريف حسين من قبله، اذ اصبح علما على التعارض مع الغرب، ومقاومته، وعلى عدم الانسجام مع حقائق السياسة الدولية.وجاء غزو الكويت ليشحذ ذلك التاريخ كله. ان "الوعي العربي" لم يتقبله. لكنه سرعان ما نسي موضوع الغزو واتخذ وجهة أخرى مع ظهور التحشد الغربي ضد الغزو. نُسي موضوع الغزو وتحول الرفض صوب التدخل الغربي. ونشأت مفارقة بين هذا الوعي العام وبين الأنظمة العربية. سوريا الأسد، قلعة ذلك الوعي، وجدت نفسها في صف "الشرعية الدولية" لأول مرة، مع أميركا والعالم الذي خلفها، لانهاء الغزو وتحرير الكويت.وقد أدت حرب الخليج الثانية الى ردم الهوة بين حقائق السياسة الدولية ونظريات الرفض العربية. حتى "مجنون" مثل القذافي سيضطر، لاحقا،الى الزحف على رجليه أمام "وعي" حقائق القوة الدولية، متنازلا لها عن اسلحة الدمار الشامل. فتلك الحرب وضعت العرب أمام منعطف سيجعل من "الرفض العربي" فكرا بلا موضوع، ويفتح ممكنات لم تكن في الحسبان، مثل الغزو الأميركي للعراق، ومن ثم "الربيع العربي". ان غزو فتحرير الكويت بداية منعطف لم يبلغ النهاية، أو الهدف، وهو وضع أقدام العرب على مسرح العصر. لقد أراد الدكتاتور شيئا، ولكن سحر تاريخه انتهى، وحقق التاريخ شيئا آخر.
أحاديث شفوية: منعطف لم يبلغ النهاية
نشر في: 1 أغسطس, 2012: 11:24 م