سرمد الطائيها نحن نجد السلطان العراقي يعيش عزلة حادة مرة اخرى. هل هي صدفة وحسب ان يكون صدام حسين معزولا محاطا بالاعداء الاقليميين والدوليين، وان يأتي السيد المالكي اليوم ليبدأ رحلة انعزال مشابهة؟
اننا اليوم نعيش علاقات غير طيبة مع كل محيطنا، ومع اربعة من اصل سبعة عمالقة نفط. فقد وجهنا تحذيرات بلهجة قاسية جدا لتوتال واكسون وشيفرون وغازبروم لانهم بدؤوا العمل في كردستان. ولا يهمني ان يكون عمالقة النفط هؤلاء مخطئين او على حق لكنني اسأل: كيف نجحنا في تحويل اربعة من السبعة الى طرف شبه معاد بعد اقل من عامين على فرحتنا بدخولهم الصناعة العراقية؟علاقاتنا الدولية فيها اكثر من ازمة كبيرة وعدا ان العمالقة الاربعة الذين نهددهم بالطرد يمثلون الدول الكبرى في مجلس الامن، فإننا نمتلك موقفا مخالفا للكبار داخل الملف السوري، وموقفا مخالفا للكبار داخل الملف الايراني وهكذا.اقليميا وداخليا راحت اخطاء ادارة الصراع مع العراقية والكردستاني وتركيا ودول الخليج، تكبر دون معالجة. لم يطلق رئيس الحكومة اي مبادرة مدروسة لنزع التوتر مع تركيا ودول الخليج، وظل يتصرف معهم على قاعدة "اذا لم يعجبكم وضعنا فاضربوا رؤوسكم بالحائط وبغداد لا تحتاجكم". من كان يتكلم بهذه الطريقة قبل المالكي، هل تتذكرون سياستنا من ١٩٩٠ الى ٢٠٠٣؟وفي الحقيقة فإن ازمتنا مع تركيا اكثر ايلاما لاننا وصلنا معها الى شهور عسل طويلة ثم ضيعت سياسات الارتجال والتسرع والتصريحات غير المحسوبة، الكثير الكثير.ولم يطلق رئيس الحكومة الحوار المطلوب مع كردستان والعراقية بل راح يستمتع بالتصعيد تلو التصعيد، والنتيجة ان الاخطاء ستكبر حتى مع اطراف التحالف الشيعي انفسهم وتؤدي الى احاطتنا بالمزيد من الاجواء العدائية والانعزالية على وقع الحماس الرهيب لفريق المالكي في مواصلة الاخطاء وعدم الاكتراث بالاخرين والشعور بأن الاخرين هم فقط على خطأ.وعلى ذكر التحالف الشيعي، هل تشعرون معي ان اطرافه الاخرى صامتة اكثر من اللازم؟وعلى كل لم تبدر اشارة من فريق رئيس الحكومة تدل على انه يبدأ مراجعة سياساته ليسأل نفسه: لماذا يتحول الجميع ضدي؟ ان دكتاتورنا السابق لم يكن يراجع سياسة او يتراجع عن قرار الا بحرب نتعرض فيها للهزيمة. كان يعتقد انه على حق وانه يتعرض لمؤامرة دولية واقليمية وداخلية، وبعد ستة اعوام على اعدامه في سجن بالكاظمية، يأخذ نظامنا الجديد باتباع اسلوب مشابه ويشعر ان سياساته صحيحة وان الصدر وعلاوي وداود اوغلو يتآمرون عليه. هل يمكن ان نحصل على مراجعة للنفس في ظل شعور كهذا؟والخطأ الذي يقع فيه انصار المالكي هو التالي: الرجل على حق وعليه التمسك بحقه حتى لو اضطر الى محاربة كل الدنيا ومعاداتها. بينما يضع العقلاء حتى لو كانوا على حق، قواعد متأنية جدا لشن الحروب واعلان العداوات لانها الاكثر كلفة عبر التاريخ فتراهم يؤجلون الخصومات ويتمسكون بالمراوغة الدبلوماسية ويختارون كلماتهم بعناية شديدة كي يستوفوا حقهم بأقل الخسائر. اما جماعتنا فينزلون للطعان والقتال بعد ساعتين من اول خلاف ويتحول الصدر وبارزاني واوغلو الى شياطين كبيرة بين ليلة وضحاها، وتغيب المبادرات ويستعد الجميع للتخلص من الجميع. بهذه الطريقة عاش العراق اخر اربعين سنة من تاريخه ويبدو ان الاشياء لم تتغير كثيرا.اطرح على نفسي سؤالا ساذجا وانتظر الجواب من جهابذة حكومتنا: انني مواطن بسيط عشت حياتي بين دبابتين واريد مثل ملايين من ابناء جلدتي ان نلتقط انفاسنا ونجمع القمامة من شوارعنا وننظر بحال ٣ ملايين ارملة و٣ ملايين يتيم. فهل يمكن لحكومتنا العزيزة ان تختار كلمات اقل حدة حين تخاطب عمالقة النفط او فريق اردوغان ودول الخليج كي نبدأ بانتظار لحظة سلام حقيقية. ام ان حكومتنا تعتقد اليوم ان كل الحلول غير ممكنة ولا بد من اعلان الحرب على العراقية والكردستاني وتركيا ودول الخليج واربعة من عمالقة النفط دفعة واحدة؟انني احسد بلدانا مثل الاردن وسلطنة عمان على الادارة الحاذقة لسياستها الخارجية، خارج كل النزاعات، بل احسد حتى موريتانيا، واندب حظي العاثر على سلاطين وزعماء بلادي من كل الحقب لانهم عديمو الصبر ونفسهم قصير ولانهم دائما "على حق".
عالم آخر: السلطان دائما "على حق"
نشر في: 4 أغسطس, 2012: 09:37 م