حازم مبيضين لم تساور الفلسطينيين المقيمين في سوريا, بعد تهجيرهم من وطنهم, أية شكوك في أنهم سيتأثرون سلباً, بما يجري حولهم من أحداث, وهم بحكم تاريخهم وواقع الأمر, ظلوا أسرى الانتماء للفصائل الفلسطينية المسلحة بكل توجهاتها, وبما يعني انعكاس مواقف تلك الفصائل على واقعهم, وإذ اكتشف فلسطينيو سوريا,
أن القيادات الفصائلية وقعت أسيرة حالة من الارتباك والتردد, فإنهم بادروا إلى اتخاذ الموقف الصحيح, بإعلانهم الحياد, غير أن ذلك لم ولن يمنع أنهم اليوم في عين العاصفة, بين قوى ثلاث, النظام من جهة, والثوار من الجهة الثانية, وفوق ذلك بعض الفصائل, التي امتلكت سلاحاً برسم التأجير لمن يدفع أكثر, بعيداً عن الشعارات الثورجية التي باتت مستهلكة, ولاهي قادرة على أن تقنع أحداً.برغم حيادهم المعلن, فإن فلسطينيي مخيم اليرموك تحديداً لم يتوانوا عن تقديم كل ما هو ممكن للسوريين الذين لجأوا إليهم, فشكلوا لجان إغاثة تقدم المساعدات, وتؤمن احتياجات اللاجئين السوريين في بلدهم, وهم بذلك كانوا يردون بعض الجميل, إذ عاشوا في سوريا منذ هجرتهم إليها, كمواطنين يتمتعون بكل حقوق المواطن السوري, في حين انشغل قادتهم بالبحث عن مأوى جديد يعوضهم عن الشام, وليس سراً أن البعض دفع أثماناً سياسية لقاء ذلك, بينما استثمر آخرون توجهاتهم السياسية وواقعهم التنظيمي ومواقفهم السياسية الجديدة لإيجاد موطئ قدم في العواصم المناهضة للنظام السوري.لم يؤد الموقف الشعبي لفلسطينيي سوريا إلى اعتبارهم محايدين, فالنظام أخذ عليهم إيواء اللاجئين السوريين ومساعدتهم, والثوار اجتزأوا من جملة ما يجري موقف بعض الفصائل المؤيدة للنظام, وهكذا ومع دخول عدة أطراف مختلفة على خط الأزمة، وقعت اغتيالات طالت عدداً من ضباط وجنود جيش التحرير الفلسطيني, وتعرضت مقار بعض التنظيمات لهجمات متنوعة, وبات واضحاً أن هناك من يريد زج الفلسطينيين في بوتقة النار وأتونها, وبرزت إلى السطح الخلافات الفصائلية دون أي إحساس بالمسؤولية الوطنية, ووجد الجمهور الفلسطيني نفسه مسؤولاً عن تدبير أموره دون الاعتماد على أحد, فتشكلت لجان شعبية في مناطق التجمعات الفلسطينية, واتخذت خطوات عملية لتأمين كافة النواحي, الاجتماعية والصحية والخدماتية والأمنية في تلك التجمعات, للتعويض عن النقص الفاضح في تلك المجالات.في الوجه الآخر من أزمة فلسطينيي سوريا برزت معضلة عدم قبول دول الجوار بلجوئهم إليها, فالأردن واظب على منعهم من الدخول إلى أراضيه, وتعامل معهم بشكل مختلف تماماً عن اللاجئين السوريين, مع ارتفاع بعض الأصوات المحذرة مما يسمى الوطن البديل, ولبنان اتخذ الموقف عينه, وليس هناك شك بأن فلسطينيي سوريا لايفكرون باللجوء إلى العراق, بعد ما عرفوه عن تعرض أقرانهم الذين كانوا يعيشون فيه للتشريد والقتل والقمع, بدعوى أنهم يؤيدون نظام صدام, ما دفعهم للهجرة حتى إلى الصحراء هرباً من الواقع الجديد, وتركيا بالأساس لاتتعامل مع وثائق سفرهم, وهكذا وجدوا أنفسهم في واقع يفرض عليهم تدبير أمورهم وهم يقعون في عين العاصفة.بعد محنة لجوئهم الأولى, لايجد فلسطينيو سوريا موقعاً يلجأون إليه, ويعيشون واقعاً ملتبساً يعبر عنه المثل الشعبي ( لامع سيدي بخير ولا مع ستي بخير), وهم يمتلكون اليوم فقط تجربتهم في التأقلم مع المستجدات, ولعنة انتظار الآتي.
في الحدث:فلسطينيو سوريا في عين العاصفة
نشر في: 5 أغسطس, 2012: 08:37 م