TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر:انتحار الشرطة وتسامح الفقهاء

عالم آخر:انتحار الشرطة وتسامح الفقهاء

نشر في: 5 أغسطس, 2012: 10:18 م

 سرمد الطائي لفت نظري اليوم شرطيان احدهما انتحر بمسدس زميله في محافظة واسط والثاني قتله المتظاهرون في المنطقة الشرقية بالسعودية، بينما يتناقل الزملاء اخبارا عن اخر احتمالات دخول فقيهين واحد سني والاخر شيعي كأعضاء في المحكمة الاتحادية.
الشرطي العراقي الذي انتحر في الكوت اجاب بطريقته الخاصة عن سؤال يواجه الكثير منا حين نصحو في الصباحات الحارقة ونواجه عراقا خربا يشبه يوم القيامة، ونسأل انفسنا مرات عديدة: لماذا كل هذا العذاب؟ ولعل شبابنا العاملين في الشرطة يطرحون هذا السؤال على انفسهم مرتين، الاولى عن عذابهم كعراقيين منهكين، والثاني عن عملهم المضني في الاف نقاط التفتيش اثناء شعورهم بأن كل الخطط لا تؤتي ثمارها لان اصعب الاهداف يجري اختراقها، وبين هذا وذاك يعيشون بين نار المواطن المعترض على اجراءات التفتيش اليومي ونار المسؤول الذي يصدر شتى العقوبات بشتى الذرائع ونار الارهاب الاعمى حين تحرقنا لسبب او من دون سبب.الانتحار من اكثر القرارات الانسانية صعوبة، ويكفي ان يمر في خواطرنا كي نشعر بطعم مر، وبنو آدم يحاولون العثور على الامل وسط كل خراب الحاضر، تجنبا لطعم الرحيل الطوعي المؤلم. اي ألم مهول دفع شرطي واسط الى انتزاع مسدس زميله واطلاق النار على نفسه؟اما الشرطي السعودي الذي لقي مصرعه اثناء تظاهرات الاحساء والقطيف فهو نموذج لمأزق هائل آخر يعيشه كل رجال الامن في الدول التي لم تتمأسس فيها الحريات الاساسية. وما يجري في البحرين ولدى جوارها الجغرافي في الاحساء، يمثل اكبر مآزق "الربيع العربي" لان المطالبين بالحرية وجدوا انفسهم بلا مناصر سوى ايران التي لا تمنح الحرية لمواطنيها اساسا، ولأنهم يطلبون التنمية السياسية في بلدان الخليج التي حققت نموا اقتصاديا كبيرا وانشغلت او تشاغلت به، واخيرا فإن احتجاجات اهل الاحساء والبحرين وهم من اطيب اهل المنطقة واكثرهم تمدنا ورقة وأريحية، دخلت على خط حروب الطوائف التي يمكنها تدمير اكثر الاهداف نبلا وسحقها.لكن تواصل الاحتجاجات هناك يتطلب كما قال اوباما لملك البحرين العام الماضي، ان تدرك الطبقة السياسية في الخليج ان نمو الاقتصاد وكل هذه "الحكمة والدهاء" في السياسة الخارجية، لن يضمن المستقبل دون اصلاح سياسي وجرعة انفتاح كبيرة، فالعالم يتغير والفقير والغني يبحثون عن الحرية، وفي وسع الملوك ان يبادروا الى اطلاقها او مواجهة شلال الدم الذي لا احد يرغب برؤيته في دول الخليج التي ظلت "واحة استقرار" خلال مئة عام من الحروب الخاسرة في الشرق الاوسط.انتهي من متابعة هذا الموضوع كي استمع الى ما يقوله الاصدقاء حين يعربون عن مخاوفهم من وصول رجال دين الى عضوية المحكمة الاتحادية خوفا من ان يعني ذلك حكما ثيوقراطيا او تكريسا للتشدد في مسار الدولة، قبيل مناقشة ذلك في البرلمان والتصويت عليه. وهذه مخاوف مشروعة ولا شك خاصة مع صعود كل قوى التشدد في المنطقة لكن لدي ملاحظة واحدة هي ان الكثير من رجال الدين يبدون اكثر تسامحا من "افندية الاسلام السياسي". وليتنا نرى رجل دين خبيرا يفهم حقا في موارد الاحتياط في "الفروج والأموال والدماء" كي يحقن دماءنا ويمنع ظهور تفسيرات للنص كتلك التي يفتعلها "افندية" الاحزاب الدينية الذين صاروا اكثر تشددا من ذي قبل.أضف الى ذلك ان المهم هو اقتناع التيار الديني بمبدأ التعايش بين مختلف التيارات كحل مدني حديث واذا فشلنا في هذه المهمة واذا تلكأنا في اطلاق الحوار المطلوب، فإن التشدد سيلاحقنا سواء وصل الفقهاء الى المحكمة الاتحادية ام ظلوا داخل الجوامع ومعاهد الدرس الشرعي موكلين لافندية الاحزاب صياغة اكثر الاطر اصولية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram