صميم حسب الله إن حتمية تشكيل الكون استندت على فرضيات عديدة، ويعد الانتظار من أبرزها، إذ ارتبط حضوره بالحركة والسكون حتى بات مفهوماً شمولياً لا يقتصر اشتغاله مع الجنس البشري فحسب كما جرت العادة مع غيره من المفاهيم، بل تعداه ليكون فاعلاً مع الكائنات الأخرى؛
فالحيوان ينتظر أن يحل الربيع لكي يخرج من جحره باحثاً عن حياة جديدة، كذلك هو الحال مع النباتات التي تنتظر انحسار الجليد لتكون حاضرة في ربيع أخضر، وحتى الصخور الجامدة تنتظر أن تغير الطبيعة من شكلها كما تفعل قطرات المطر مع الصخرة الصماء؛ من جهة أخرى فإن الانتظار بات يشكل عنصراً فاعلاً في الطروحات الدينية السماوية (اليهودية، المسيحية، الإسلامية) وغيرها من الديانات والمعتقدات التي لا يسعنا ذكرها هنا، والتي تسعى جميعا إلى انتظار (المخلص، المنقذ، المختار، المنتظر... وغيرها) وهناك العديد من الأسماء التي تختلف بحسب اختلاف المعتقد الديني إلا أنها تتفق على فكرة انتظار الغائب الأبدي الذي يعتقد الجميع بحضوره في زمن ما من اجل القضاء على الفساد وإحلال السلام وإيقاف نزيف الدم الذي يأبى المختلفون في الرأي والدين والمعتقد أن يتوقف؛ ولم يكن المسرح بوصفه الفن الأقرب إلى المتلقي بعيداً عن قراءة تلك الفكرة الفلسفية والتي كانت حاضرة في أبهى صورها في مسرحية (انتظار غودو) لمؤلفها صموئيل بيكيت والتي جاءت تعبيراً عن حالة الانتظار المزمن في الحرب وما رافقها من حالات انهيار في المجتمع الغربي .من جهته اختار المخرج العراقي كاظم النصار نصاً درامياً من تأليف الكاتب العراقي علي عبد النبي الزيدي؛ يستند على ثيمة الانتظار في مسرحية (مطر صيف) والتي قدمت على خشبة المسرح الوطني في بغداد، وقد جسد الأدوار التمثيلية في العرض كل من الفنانة هناء محمد والفنان فاضل عباس، في محاولة لتوظيف فكرة الانتظار الفلسفية وإسقاطها على الواقع العراقي الراهن.تحولات الرمز بين النص والعرض:يمتلك النص الدرامي الذي أنتجه المؤلف ابتداءً معطيات النص التعبيري وقد بدا ذلك واضحاً في التعاطي مع منظومة اللغة التلغرافية التي تعد واحدة من ثوابت المذهب التعبيري والتي تمنح المخرج الحرية في تفعيل العلامات البصرية التي تسهم في تطوير منظومة العرض المسرحي ؛ إلا أن المؤلف لم يستمر في توظيف المعطى التعبيري بل راح يقدم نصاً سردياً يكاد يكون عبارة عن مونولوغات طويلة لم يكن العرض بحاجة إليها ذلك أن المنطوق التعبيري كان حاضراً وفاعلاً في وعي المتلقي الذي وقف حائراً بين منظومة تعبيرية على مستوى النص والعرض وبين منطوق سردي يفقد من خلاله القدرة على تأويل المنتج البصري الذي لم يكن يخلو من علامات فاعلة بما تحوي من رموز تحيل هي الأخرى إلى منظومة اشتغال أخرى تقف بعيدة عن اللغة التلغرافية من جهة والانهمار السردي من جهة أخرى.لم تكن العلامات البصرية داخل العرض بعيدة عن منظومة النص الاصلي بل إنها شكلت البيئة التي طرحها النص غير ان المخرج عمل على توظيف رؤيته الإخراجية في (المكان / المنزل) المقترح في النص ، وذلك من خلال الكشف عن تشكيل بصري معلق في عمق المسرح يتمثل بوجود إطار مربع الشكل يضم في داخله عدداً من الأعضاء البشرية البلاستيكية وهي أجزاء نصفية (لمانيكانات) بلاستيكية أراد المخرج من خلالها التعبير عن فكرة العرض أو نبوءة العرض التي تحمل معها نهاية لجميع الشخصيات السياسية المستنسخة بحسب فكرة ( نص / العرض) ، تلك الشخصيات التي عملت على إزاحة الوطن والمواطن مقابل مصالح شخصية وفئوية ، فقد عمل المخرج على تذكير المتلقي بين حين وآخر بوجود تلك البقايا من اجل التأكيد على مقولة العرض الأساسية والمتمثلة في أن (الزوجة / الوطن) ترفض أن يقودها مستنسخ معزول لا يمتلك القدرة على التواصل مع أبناء الوطن والإحساس بمعاناتهم ، فضلا عن ذلك فإن المخرج عمل على إغراق العرض بالرموز التي امتلكت من الدلالات الشيء الكثير لكي تسهم في تطوير فكرة العرض كما هو الحال في استخدام أشرطة التسجيل التي باتت تمثل إيقونة واضحة الدلالة أكثر من كونها رمزاً؛ فهي تعبر على نحو واضح عن الذاكرة التي تعيد (الزوجة) ترميمها بين الحين والآخر فتارة تعمد إلى تفريغ شرائط الكاسيت من محتواها، وتارة أخرى بإعادة ترتيبها من أجل استعادة الماضي الذي غادرها برحيل زوجها، كذلك هو الحال مع المكان الذي اختاره المخرج لكي يكون حاضراً في وعي (الزوجة) والذي تمثل في المرآة التي تتزين أمامها. إلا أن المخرج عمل على إزاحة المرآة لكي يظل مكانها خاوياً كأنما أراد الإشارة إلى أن (الزوجة ) تنظر إلى أوهامها التي تتمثل (بالزوج) الذي طالما كان مسؤولاً عن حمايتها إلا أن نظراتها تذهب إلى الفراغ إلى أن تأتي لحظة يتحول فيها إطار المرآة إلى إطار لصورة (الزوج) (الحقيقي / المستنسخ) الذي يدفع بالزوجة للدخول في عالم من الأوهام التي لا تنتهي.
إشكالية توظيف الرمز في العرض المسرحي
نشر في: 6 أغسطس, 2012: 05:45 م