حازم مبيضينلم يكن الموقف الإيراني من الحدث السوري سراً, فطهران التي انتعشت آمالها, بسقوط من كانت تعتبره معادياً لسياساتها, على وقع عاصفة الربيع العربي, وجدت نفسها تحصد خيبة الأمل, حين هبت رياح تلك العاصفة على بلاد الشام, بما يعني حكماً, أنها ستفرض نتائجها على التابع الأمين للولي الفقيه في لبنان,
فجأةً وجدت الثورة الإسلامية نفسها مجبرة على وقف التغني بذلك الربيع, إلا ما خص منه البحرين, وانتقلت لتبني وجهة نظر النظام السوري عن مؤامرة كونية تستهدف أنظمة المقاومة والممانعة, وهي إذ لم تتوقف عند حد الإدانة اللفظية لما يجري عند حلفائها, فإنها وضعت كل إمكاناتها للدفاع عنهم, بما في ذلك التلويح بخوض حرب إقليمية طاحنة, تحفظ لها نفوذها في بلاد الشام, ومركزها في القضية الفلسطينية, وهي تعرف البعد العاطفي عند الجماهير العربية إزاء تلك القضية, التي تحولت للأسف إلى قميص عثمان, يرفعه على الرماح كل من يبحث عن دور متقدم في صياغة سياسات المنطقة.لم تكن سوريا مجرد معبر للنظام الإيراني, للوصول إلى الحليف المذهبي في لبنان, فالعلاقة المتميزة مع دمشق كانت الغنجاز الأكبر والأكثر تأثيراً لثورة الخميني, والتأثير في السياسات السورية يتبعه بالتأكيد تأثير مماثل في سياسات الشقيق اللبناني الأصغر, على الرغم من انسحاب القوات السورية من بلد الأرز, والتواجد على مائدة القرار السوري, يعني حكماً الحضور على موائد القرار الفلسطيني, بحكم العلاقة بين طهران وحركة حماس, قبل أن تغادر الأخيرة دمشق, وتتخذ موقفاً مناهضاً لنظامها, بحكم خضوع قيادتها للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين, وهي ذراعه في فلسطين.هل يفسر هذا اعتقال ما يقرب من خمسين إيرانياً في دمشق, يتهمهم الجيش السوري الحر بأنهم عسكريون كانوا يخططون للدفاع عن العاصمة السورية, في مواجهة الثوار ولمنعهم من السيطرة عليها, وهل يفسر ذلك الاتهامات التي تكيلها المعارضة السورية لحزب الله " اللبناني الإيراني " بالمشاركة الفعلية بالقتال في صفوف القوات الحكومية ضد مناوئي الأسد, وهل يفسر مواقف حكومة السيد المالكي المؤازرة للنظام السوري, وهي متهمة بالانصياع لسلطة الولي الفقيه, وهل يفسر ذلك الانشقاق المذهبي الذي يضرب المجتمع الإسلامي, بعد أن رعته الثورة الإسلامية, ووضعت كل إمكاناتها لبلورته واقعاً يحكم ذلك المجتمع, وهل يفسر ذلك تعنت طهران في مواجهة المجتمع الدولي, الرافض لامتلاكها سلاحاً نووياً, بينما هي ترى في ذلك السلاح قوةً تمكنها من لعب دور شرطي المنطقة, على أسس مذهبية شديدة الوضوح.تدرك طهران استحالة استدارة عقارب الساعة السورية إلى الوراء, لكنها تجد نفسها أسيرة مواقفها المعلنة, وهي اليوم عاجزة عن الحياد, مثلما هي عاجزة عن مد طوق نجاة للنظام السوري, ليعود كما كان قبل انفجار الثورة ضده,وهي ثورة ألحقت به خسائر فادحة ومتصاعدة, رغم اتهامها بأنها مؤامرة كونية ضد أنظمة الممانعة, وليس سراً أن حزب البعث السوري مصاب اليوم بالشلل, بينما اهتزت الصورة الزاهية لـ " حماة الديار ", وطاولت الصورة السلبية مقام الرئيس الأسد, وإذا كانت الأنباء الواردة من بلاد الشام صحيحة فإن النظام الإيراني وضع نفسه في حالة صدام معلن مع أكثرية الشعب السوري, وأدرجت نفسها في ذات زاوية العزل, التي تطوق نظام الأسد, سواء من القوى الإقليمية الفاعلة, أو القوى الدولية باستثناء روسيا والصين.تجد قيادة الثورة الإيرانية اليوم نفسها مكتوفة الأيدي, إزاء ما يجري في سوريا, فلا هي قادرة على فتح جبهة جديدة تخفف الضغط على النظام السوري, سواء بإشعال الجبهة اللبنانية مع إسرائيل, أو بتفجير اضطرابات مذهبية كبرى في الخليج, لكنها تجد أيديها مطلقة في إرسال " متطوعين " إلى سوريا, بغض النظر عن مخاطر اندلاع حرب مذهبية, قد تشكل خطوة في درب الهروب إلى الأمام, ولعل المختطفين من الإيرانيين في شوارع دمشق هم طلائع هؤلاء المتطوعين, إن لم نشأ القول إن مقاتلي حزب الله في صفوف قوات الحكومة السورية كانوا هم تلك الطلائع.
في الحدث: الخسارة الإيرانية في سوريا
نشر في: 6 أغسطس, 2012: 09:12 م