علي حسينانشغلنا جميعا في صراع دولة القانون مع العراقية، وتناسينا أمورا حيوية يتم طبخها على نار هادئة في البرلمان، التوافق السياسي مهم، لكن الأهم والأخطر في هذه المرحلة شكل النظام الذي يريد البعض أن يحكمنا به لعشرات السنين القادمة، كل وسائل الإعلام انشغلت بورقة الإصلاح التي يعتقد البعض أنها ستمحو من أذهان العراقيين تسع سنوات من الخراب والفوضى،
ثم فوجئنا في صحف الأيام الماضية بأخبار تقول إنه هناك خلاف على قانون المحكمة الاتحادية، حيث تصر بعض القوى السياسية على تعيين فقهاء ضمن قانون المحكمة الاتحادية.. وتريد أن تمنحهم حق "الفيتو" على أي قرار لا يرونه متلائما مع ثوابت أحكام الشريعة الاسلامية.. ولان البعض يتخذ من الدستور شعارا يرفعه في وجوهنا كل يوم فأنني أحيله إلى المادة الثانية من الدستور والتي جاء فيها: "لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور، يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، كما ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في الحرية والممارسة الدينية، كالمسيحيين، والايزيديين، والصائبة". فما الذي تغير حتى نجد البعض مصرا على "لفلفة" الديمقراطية ووضعها في جيبه الأيمن، ولماذا يتخوف السياسيين من الدولة المدنية ويريدون أن يجعلوا من المحكمة الاتحادية حائط لمنع التيارات المدنية وأبناء الطوائف الأخرى من العيش في بلدهم آمنين مطمئنين؟للأسف يعتقد البعض من دراوشة الساسة ان مشكلة العراقيين إنهم قوم "كفرة" يعيشون عصور الجاهلية ومن واجب دعاة الفضيلة والحشمة أن يهدوهم إلى طريق الهداية. كانت الناس تتمنى أن يكون شعار مجلس النواب، هو التعايش بين مكونات المجتمع العراقي كافة، وكانت الناس تتمنى أن يترجم هذا الشعار عمليا عبر مؤسسات تحتضن الكفاءات، وقوانين تحارب الطائفية والانتهازية السياسية وسرقة المال العام، غير أن السنين والأيام الماضية أثبتت أن نوابنا الأفاضل مصرون على اختطاف مفهوم دولة المواطنة بعيدا عن جوهره الحقيقي، محاولين تسويقه على انه معركة للفضيلة والإيمان أو وفقا لحالة الانتشاء التي يظهر عليها البعض منهم حين يعتقدون أنهم بصدد تهيئة المعركة من اجل دحر كفار العراق، وان هذه البلاد لم تعد مكانا لأقوام الجاهلية، طبعا في خضم الشعارات الثورية ونشوة الانتصار ينسى جميع السادة دراويش البرلمان أن معظمهم يحملون جنسيات لدول اجنبية ، قوانينها مدنية، ولم نسمع يوماً ان احداً اعترض على قانون في الدنمارك او وضع انفه في تشريعات هولندا أو السويد أو بريطانيا.اعتقد العراقيون البسطاء في البداية أن ذهابهم بكثافة إلى الاستفتاء على الدستور في تشرين الأول من عام 2005 سينهى كل مشكلاتهم، ففوجئوا بأنه يعمق هذه المشكلات والانقسامات، ثم وقفوا في طوابير طويلة في انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات أملا في تهدئة نفوس الساسة الثائرة من اجل الكراسي والمناصب، والانطلاق نحو عملية ديمقراطية، فاكتشفوا أن الانتخابات انطلقت بهم إلى عالم زائف ومخادع من الممارسة السياسية. لا أريد أن استبق الأحداث والمحكمة لم تشكل بعد، ولكن ليس مستبعدا أن نفاجأ جميعا بان المحكمة الاتحادية قد صارت وبقدرة بعض الكتل السياسية محكمة شرعية.والسؤال: لماذا نعطى هيئة كائنة ما كانت غير منتخبة من الشعب حق احتكار تفسير الشريعة الإسلامية؟لو أعطينا للمحكمة الاتحادية حق مراقبة وتفسير الشريعة في الدستور وحق الفيتو فإننا ببساطة نكون قد استنسخنا النموذج الإيراني في الحكم والذي نجد فيه أن هيئة تشخيص مصلحة النظام لها الحق في إلغاء أي قرارات وقوانين يصدرها البرلمان الإيراني، بحجة مخالفتها للشريعة، ما يجعلها سلطة فوق البرلمان وفوق رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. هل نريد أن نتحول إلى دولة دينية؟ طبعا من حق الأحزاب الإسلامية ان تنفذ مشروعها السياسي، ولكن علينا أن لا ننسى أن كل هذه الأحزاب ظلت تصدع رؤوس المواطنين بالحقوق المدنية والديمقراطية قبل الانتخابات. لتكن محكمة اتحادية عراقية خالصة، وليست مجرد هيئة تتبع بعض الاحزاب ، فالناس ليست بحاجة الى فقهاء في المحكمة الاتحادية بقدر حاجتها الى رجال دين يدافعون عن حقوقهم ويفضحون الفساد والمفسدين.
العمود الثامن: انقلاب البرلمان على الديمقراطية
نشر في: 6 أغسطس, 2012: 10:15 م