TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: 11 مليون دولار فقط

عالم آخر: 11 مليون دولار فقط

نشر في: 7 أغسطس, 2012: 09:09 م

 سرمد الطائي هناك 11 مليون دولار اميركي فقط، وهو مبلغ بسيط جدا مما أنفقته اميركا علينا ولنا، تشيع فرحا عارما على ضفتي شط العرب، كما ينقل الاصدقاء. لأول مرة يصبح لدى الضفة المقابلة للعشار، جسر ثابت بفتحة ملاحية تسمح بمرور السفن المتجهة شمالا نحو أرصفة ميناء المعقل، لكن الامر مليء بالمفارقات المرة، وهو مناسبة ايضا لإجماع فريد!
لقد انفقت اميركا 60 مليار دولار كمساعدات لاعمار العراق دون ان تظهر نتيجة واحدة واضحة لهذه الاعمال، لانها توزعت على الالاف من المشاريع الصغيرة والمتناثرة، وهذه لم تنجز في الغالب على نحو صحيح، كما ان البنتاغون يحقق في كيفية انفاقها..الخ. اي ان اميركا لم تترك اثرا واضحا يذكر العراقيين بوجود بصمة مميزة، فلا هي أنشأت محطة كهرباء كبيرة بنصف مليار دولار من ذاك المبلغ، ولا هي انشأت مستشفى عملاقا او دارا للايتام او مدرسة مميزة في كل مدينة بجزء بسيط من ذلك المبلغ ايضا، ولا احد يدري لماذا اصيب هذا العملاق بالدوار حين وطأ ارضنا الطيبة والمعقدة والمنهكة؟وعلى اي حال فإن اميركا هذه تركت بصمة واضحة وسط شط العرب باستخدام 11 مليون دولار فقط من منحتها البالغة 60 مليارا، وتمويلها انتج جسرا ثابتا غير عائم و"مال اوادم" الى حد ما، وهذا ما يحدث لاول مرة قرب الضفة الشرقية المقابلة لمركز المدينة الشهير "العشار".وليست المفارقة فقط ان 11 مليونا تشيع كل هذا الفرح الذي نسمع عنه في البصرة، بل المفارقة ايضا ان البصرة لديها اموال كثيرة تصل الى مليار دولار سنويا، وهي لم تكن بحاجة اساسا الى هذا التمويل، لكن الاميركان والحكومة والشعب يشعرون جميعا بالسعادة في "لحظة إجماع نادرة" بين هذه الاطراف، وحول موضوع بسيط للغاية الا انه مؤثر على حياة الناس.يحدثني الاصدقاء ان الجسر الجديد المستند على ركائز مغروسة في طين الشط بعمق كبير، اصبح مكانا تزوره العوائل، لان فيه انارة جيدة وهو مطل على منظر ساحر عند تجمع البواخر والسفن القديمة قرب الكورنيش، كما ان الضفة الاخرى المهملة من الشط بدأت تنتعش وهناك من يشتري الاراضي لانشاء فنادق ومراكز تجارية يمكنها فك جزء من الاختناق الرهيب داخل مركز مدينة البصرة التي صممت في الثلاثينات لتستوعب مليون نسمة بينما يعيش فيها اليوم ما يقرب من 4 ملايين حسب مجلس المحافظة.لاول مرة اصبح في وسع السكان ان يعبروا بسياراتهم على جسر يتسع لسيارتين، ويتضمن رصيفين للمشاة لمن اعجبه ان يعبر النهر مشيا على الاقدام، والمبلغ البسيط الذي وفرته اميركا وكان في وسع البصرة نفسها ان تؤمنه، استثمرته شركة عراقية متخصصة في الانشاءات البحرية ومن بقايا "التصنيع العسكري" هي "ابن ماجد"، اي ان الهدف كبير والتنفيذ لم يكن مشكلة كبيرة، لكن الامر تأخر 10 اعوام بعد تغيير النظام المتهم بأنه كان يرفض انشاء جسر ثابت في هذه المنطقة خوفا من مباغتة الدبابات الايرانية لنا!التنفيذ والسجال والعراك الذي رافق الانجاز، استغرق نحو 3 سنوات، والخبراء يقولون ان صناعة جسر على شط العرب مهمة معقدة، لانه يجب ان يصمد في وجه الهياج والامواج التي تشبه حركة المياه في البحر عند هبوب الرياح.والامر يثير تساؤلات كثيرة، فكم من الدولارات القليلة الفائضة من تبذير اميركا، او من هدرنا الرهيب، يمكنها ان تشيع فرحة كبيرة وحقيقية لدى اهالي كل المدن، لو جرت العناية بالخطط وتوفرت الارادة والخبرة لذلك؟ كم 11 مليون دولار كان في وسعها ان تمثل بصمة حلوة في ذاكرة الناس، بينما اهدرت بطريقة تثير الحنق وتبعث على اليأس طيلة 10 اعوام من الخراب والتخريب؟مبروك للعشار جسره الذي جاء بعد قرن من الانتظار، وعسى ان تكون المئة عام المقبلة "زاخرة بالبركة"، على عكس المئة عام التي تصرمت فيها اقدارنا ومصائرنا وأعمار 5 اجيال من العراقيين. هل يقتصر الامر على 5 أجيال فقط؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram