احمد المهنا بعد كل موجة عنف تضرب البلاد، يخرج رئيس الوزراء بتصريح يُطمئِن الناس، الى ان يد الدولة هي العليا، وان الإرهاب الى زوال. وآخر ما قاله بهذا الخصوص هو "ان المعركة مع الارهاب انتهت".فما هي موجات العنف المرعبة التي لا يخلو منها شهر، وأعمال العنف المحدودة التي لا يخلو منها يوم؟ الجواب بالنص هو أن "المتبقي (من الارهاب) خلايا تبحث عن ثغرات، وتقف خلفها ارادات دول تستغل الظرف الحاصل في المنطقة".
ما رأيكم؟ أظن أن هذا سؤال عديم القيمة. فلو كان لرأي الناس في هذه البلاد قيمة، لما استطاع المسؤولون الحكوميون الكلام على راحتهم، دون أي مراعاة للحقيقة، ولا مداراة للواقع، ولا اي اهتمام بما لدى الناس من معرفة متحصلة عبر صور من المعاناة لا عد لها ولا حصر، وبعض هذه الصور يبلغ الحد الأقصى من الأكلاف في الأرواح والممتلكات.ان الكذب في تصريحات المسؤولين أو الساسة مؤلم. والأكاذيب الزائدة عن الحد نوع من أنواع التعذيب. ولكن الأمر الأشد ايلاما من كل ذلك هو قدرة الشعب على تحمل حكم الأكاذيب. وهي قدرة أظن أننا نحن العراقيين خصصنا بها وحدنا من دون شعوب الأرض. وهي آخر ما يمكن أن يحسد عليها شعب.وقد برزت تلك القدرة، أو الموهبة، في ظل حكم صدام. كان ذلك الحكم الكذب كله، الرعب كله، التبديد والهدر جميعه، السفه عينه، اليأس ذاته، الموت نفسه. ولو صادف أن شعبا آخر من شعوب المنطقة عانى معشار ما عانيناه من صدام، خصوصا خلال مرحلة الحصار، لتحتم أن يكون ذلك سببا لانفجار "الربيع العربي" منذ القرن العشرين!ولكننا تحملنا الى الآخر. وكان يمكن أن نتحمل ولو كان في هذا التحمل آخرتنا. ولكن حدث ما حدث وراح حكم أكاذيب، وورثه آخر. آخر قال في الأمس فقط "أن المعركة مع الارهاب انتهت". لا بأس. قل ما تقول. لست الحاكم الأول الحر من الحساب والكتاب. وليس في الأفق ما يُظهر أن تكون الأخير. اعتمد على قوة تحمل الشعب العراقي. فهي فرس رهان ثبت أنه في محله.ان بغداد مقسمة أمنيا بين منطقة حكومية صغيرة تدعى المنطقة الخضراء، بينما المنطقة الباقية، المنذورة لوجه الله، حمراء. وهناك ما يقارب ربع القوات المسلحة منتشر على شكل نقاط تفتيش، أو "سيطرات"، في شوارعها. بعض أحيائها مسور من كل الاتجاهات بالحواجز الكونكريتية. ولجميع الأحياء الأخرى مداخل أو مخارج قليلة مفتوحة فيما طرقها الأخرى مغلوقة.حين انعقدت القمة العربية في بغداد لم تجد الحكومة وسيلة للحفاظ على أمنها غير سجن سكان العاصمة في حظر التجوال. ويسري مثل هذا الحظر على ليل المدينة منذ تولى جناب دولة رئيس الوزراء ولايته عام 2006 الى يومك. والمدن المحرومة من الحياة الليلية هي المسلوبة منها فرص الراحة والأمان. هي مدن الحروب.ولكم نريد تصديق أن المعركة مع الارهاب انتهت، وأن اي حرب في هذه البلاد قد قضت. ولكن علينا بدلا من ذلك الإعتماد على قوة تحملنا لنسمع مقال حكم الأكاذيب بأن السلام موجود في مقام يضج بمظاهر الحرب.بوركتِ من موهبة يا قوة التحمل!
أحاديث شفوية:بوركتِ يا قوة التحمل!
نشر في: 7 أغسطس, 2012: 10:09 م