TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > السطور الأخيرة: شبر على الأرض

السطور الأخيرة: شبر على الأرض

نشر في: 8 أغسطس, 2012: 09:10 م

 سلام خياطبأي مقياس يقيسون تقدم وعظمة الدول؟برقعتها الجغرافية؟؟ هراء.. تلك السودان المضطربة منذ عقود -ثالث أكبر مساحة جغرافية في أفريقيا والعالم العربي.. وتلك ليبيا، بسكانها الحيارى-رابع أكبر مساحة في العالم العربي، والأمثلة هنا تضرب، وعليها يقاس.
بم أيضا يكون القياس؟؟ بالكثافة السكانية؟؟ تضليل آخر، تلك مصر بملايينها المئة، وتلك الصومال بملايينها الأربعين. بم أيضا؟  بالصادرات؟ بالواردات؟ بالصناعة؟ بالزراعة؟ بعدد الأنهار، بعدد الصحف؟ بأعداد المساجد والجوامع والكنائس والأديرة؟ بكثرة الأسواق؟ لا... تلك عوامل مساعدة -كما في التجارب الكيماوية في مختبر- تساعد في تسريع النتائج، لكنها ليست الدعامات الراسخة التي تبنى عليها عاليات الصروح.تقدم البلدان يقاس باستقرار أنظمة الحكم فيها، بالتبادل السلس للقيادات، برجاحة عقل وحكمة أهل السلطة، برفاهية السكان ورسوخ المؤسسات التنظيمية، بالتوزيع العادل  للثروات، بنزاهة القضاء وعدالة الأحكام، بانتهاج مبدأ التروي والعقلانية في العلاقات مع دول الجوار، و.... لجم شهية القضم والضم والاستحواذ، لأمتار هنا، وأميال هناك.  والذي طالما مارسته دول  -في الشرق والغرب- بحق جيرانها. في الأمد البعيد والقريب. لم تترسخ في فرنسا عوامل الازدهار، إلا بعد أن وضعت عامل الاستقرار في صدارة الأولويات، إلا بعد أن لجمت شهية الضم والقضم والاستحواذ، والذي طالما مارسته بحق جيرانها ومستعمراتها، وبدل اجترار مآسي الماضي واستثارة الأحقاد والضغائن،  ساهمت بصرح حضاري (قطار المانش)، ينمي العلاقات ويفتح أبواب التوافق. لم تتعملق ألمانيا، إلا حين تخلت عن شهية الضم والقضم بالقوة، واكتفت برقعة جغرافية صغيرة – نسبيا – أقل من مرمى بصر هتلر. ولم تتهاو بريطانيا مزقا، وهي تتخلى – طوعا أو كرها – عن مستعمراتها المتراميات الأطراف وتقنع بمساحة أراضيها الضئيلة - قياسا-  وتؤثر الاستثمار في استقرار الحكم وقدرات الإنسان.ليست رفعة الدول وعظمتها بعدد الأميال في مساحاتها، بل بتوطيد الاستقرار في ربوعها، واستثمار قدرات الإنسان.. سويسرا –مثلا- المستقرة، باقتصادها المتين، برقي العيش، بتعدد الأقوام والأجناس والأديان والألسنة، سويسرا التي ليس فيها نظام التجنيد الإجباري، ولا جيش نظامي، سويسرا التي لا تزيد مساحتها عن مساحة قرية في نجوع الصومال، سويسرا تضم (26) كانتونا، تحيط بها دول  كبرى عرفت بشهيتها للضم والقضم والاستحواذ، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، سلوفينيا. سويسرا ونهرها الرون -ليس هو نهر الراين المعروف- الذي ينبع من أراضيها ويصب في جنوب شرق فرنسا،  ما أنشأت سدا يحجب نسغ الحياة عن جارتها، ولا هددت بتحويل المجرى انتقاما لموقف، أو ابتزازا لمطلب. كل تنمية خائبة إن لم تبدأ بتصعيد قدرات الإنسان، وما عدد  وكثرة الأميال على الأرض دليل سيادة.. فيا عجبي للذين يقيسون الوطن بعدد الأميال المربعة، ويهملون الاستثمار في قدرات الإنسان ويستهوي ألبابهم الصراع على شبر من الأرض،  عجبي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram