عامر القيسيعام 1956 من القرن العشرين شهدت بغداد احتفالية لعرض الأزياء للنساء، وفي عام 2012 من القرن الحادي والعشرين يريد برلماننا أن يقر نظاما مخالفا للدستور بتعيين رجال دين في المحكمة الاتحادية يكون صوتهم ورأيهم هو الحاسم والمقرر في قرارات المحكمة.
وسيكون هناك طبعا مفتٍ سني وآخر شيعي، ولا ندري من أي إفتاء سني سيكون هذا الرجل ومن أي مذهب من مذاهب السنة، ومعه أيضا رجل دين شيعي ولا ندري أيضا من أي إفتاء شيعي سيكون هذا الرجل ومن أي المرجعيات الشيعية سيكون!! ولا ندري أيضا مصير بقية الفرق الإسلامية وتمثيلها في المحكمة الاتحادية ما دام الدستور لا يحدد ذلك مكتفياً بألا تتعارض التشريعات مع الدين الإسلامي وقوانينه!!منذ سقوط النظام وحتى اللحظة نستمع إلى خطاب الدولة المدنية من معظم الأحزاب الإسلامية القائدة للسلطة، لكن هذه الأحزاب تمارس على الأرض سلوكا مختلفا ينحو باتجاه إقامة دولة دينية متبعين بذلك سياسة الخطوة خطوة، بل أن بعض المناطق التي تسيطر عليها هذه الأحزاب في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب سيطرة مطلقة تبنى نماذج لدولة دينية مصغرة ولكن على مقاسات الأحزاب وليس على مقاسات الشريعة الإسلامية السمحة، وتجري هذه الأفعال تحت سمع وبصر السلطتين التشريعية والتنفيذية بل في كثير من الأحيان بمباركتهما بالمفرد والجملة!هل نحن متجهون إلى تأسيس دولة دينية؟ بكل شفافية ووضوح الجواب، نعم، دون مخاتلة وتسويف وشعارات، فما يجري في حياتنا الاجتماعية هو تعبير واضح وجلي عن طبيعة هذا الاتجاه وآلية اشتغاله التطبيقية البطيئة الصابرة ومشاريعه المستقبلية المعلنة منها والمستترة والملتبسة أيضا تمويها عن الأهداف الحقيقية.وبغياب منظمات المجتمع المدني وضعف القوى الديمقراطية المعنية ببناء الدولة المدنية الحديثة وبصمت التسويات السياسية وصفقاتها وبالتصاعد الحاد للمنوعات، بما في ذلك غير القانونية، في حياتنا الاجتماعية، فان اتجاه بناء الدولة الدينية في العراق يسير بخطوات حثيثة إلى الأمام، ولا تغرّنا في ذلك الشعارات البراقة عن الديمقراطية وبناء الدولة العصرية المدنية.حتى القوى التي تتبجح بمشاريعها للدولة المدنية تعج بالتيارات الدينية الإسلامية التي تعلن في كل المناسبات عن تبنيها لمشروع الدولة الدينية ومنها بطبيعة الحال التطبيق الحرفي للتشريعات الإسلامية وولاية الفقيه، وهي مشاريع نتلمس تطبيقاتها العملية في تعيين رجال دين يتحكمون بقرارات المحكمة الاتحادية ويتمتعون بحق النقض "الفيتو" على أي قرار يشمون منه رائحة مخالفته للشريعة الإسلامية. إذا حدث ذلك وسيحدث بالتأكيد، فإننا سنكون أمام مشاكل الاختلافات السنية الشيعية في فهم وتطبيقات الشريعة الإسلامية، وسندخل في نفق الأصول والفروع والمتشابه والمحكم والضعيف وسنحتاج هذه المرة ليس إلى مؤتمرات وطنية لحل الأزمات السياسية في البلاد بل إلى مؤتمرات لفقهاء المذهبين السني والشيعي لكي يتفقوا على إن كانوا سيقبلون أو يرفضون قرارا للمحكمة الاتحادية يتوافق عليه المذهبان!!إن تشريع وتطبيق قانون الفيتو الإسلامي سيدق المسمار الأخير في نعش التجربة " الديمقراطية " العليلة في البلاد وعندما تصحو قوى المجتمع المدني وأحزابها وتياراتها سيكون الوقت قد فات وربما إلى الأبد وسينطبق علينا قول الشاعر "في الوقت متسع للبكاء"!!
كتابة على الحيطان: قوانين تحت رحمة الفتاوى!!
نشر في: 8 أغسطس, 2012: 09:22 م