سرمد الطائيلا أجد شهية للحديث عن الفيديوهات التي يخشى الناس تسريبها بعد الاستيلاء على "كنز" الأفلام في مكتب نائب رئيس الجمهورية المتهم طارق الهاشمي. ولا مشكلة في ان يستولي القضاء على التسجيلات بالتأكيد، لكن المشكلة تبدأ حين تجدها منشورة على مواقع الكترونية مقربة من فريق الحكومة،
وبالتالي فإن اكثر ملف مثير للحرج والحساسيات يتحول من عملية يفترض ان تكتشف جرائم كثيرة، الى مجرد عملية "تلصص" على الخصوم السياسيين، وجلسات قضائية لا يتابع مجرياتها احد. ولا احد يدري ما هي التفاصيل الاخرى المتاحة داخل "كنز الفيديوهات" الذي اصبح بيد جهات مقربة من رئيس حكومتنا، وما هي الدردشات الخاصة جدا والتي كان أطرافها خصوم كثيرون للسيد المالكي، صدريون وبدريون ومجلسيون فضلا عن أطراف القوائم الاخرى. هل هناك محطة أسخف من "التلصص" هذا، وصلتها العملية السياسية من قبل؟الا ان ما يستحق ان نفكر به كثيرا هذه الأيام نقطة ابعد مدى، تتصل بانطلاق غير رسمي للسباق الانتخابي، عبر صراع لا يتوقف على اختيار مفوضية الانتخابات الجديدة.ووفق قواعد الصراع المألوفة في ولاية السيد نوري المالكي الثانية، أصبحنا نعلم انه ينوي إلحاق المفوضية به كما صنع مع هيئة النزاهة ونزاعات الملكية والاعلام والاتصالات وشبكة الاعلام، ولم يبق سوى البنك المركزي وهذه المؤسسة التي انشأتها الامم المتحدة لتدير عمليات الاقتراع عبر الاستفادة من تجارب مشابهة في امريكا الشمالية وأوروبا.المفاوضات حول المفوضية تكشف ان قاعدة الصراع هذه لم تتغير بعد رغم كل ما حصل من وعود بالاصلاح والمراجعة، ورغم كل الضغوط الكبيرة التي مارستها اطراف النجف واربيل لكبح جماح القطار المنطلق بسرعة للاستحواذ على اخطر مفاصل الدولة.الخلاف الشديد الذي يدور حول تشكيل المفوضية بطاقمها الجديد يتعلق بحجم فريق المالكي داخل المفوضية. فالرجل يريد توسيع عدد المفوضين من 8 او 9 الى 15 كي يضمن على الأقل وجود 4 او 5 اشخاص منهم يدينون بالولاء له، بينما لو بقي العدد السابق فلن يحصل على اكثر من مفوض واحد يمثله، اسوة بباقي الاطراف!المالكي يريد ان يكون لدولة القانون 4 او 5 اشخاص داخل هذه المؤسسة، بينما لن يحصل كل حزب منافس له بين الاطراف الرئيسية الا على ممثل واحد في افضل الاحوال. هذا مختصر للنزاع الدائر اليوم كما يصوره احد المتواجدين داخل كواليس المفاوضات الطويلة التي انهكت جميع الكتل وانهكت بعثة يونامي الدولية التي تقدم الدعم الاستشاري، وجعلت العديد من مراكز القوى تشعر بالقلق من سيناريو استيلاء رئيس الحكومة على ادارة الانتخابات.وهكذا فإن نزاع القوم لا يدور حول استقلالية المفوضية او تبعيتها على شكل حصص، لمراكز القوى السياسية والمالية والدينية، بل هي لن تكون مستقلة في كل الاحوال ولن تتشكل من خبراء مستقلين سياسيا، لكن امام الناس خيارين، وهو ان يكون حجم ممثلي رئيس الحكومة داخلها متفوقا بثلاث مرات على حجم تمثيل الاحزاب المنافسة، او ان تبقى المنافسة متساوية نسبيا بتمثيل متكافئ كي لا يغلب احد ارادة احد في قرارات خطيرة ستحدد مصير مجالس المحافظات الجديدة، والسلطة التشريعية لاحقا.السجال مستمر لم يحسم، ولدى رئيس الحكومة اوراق كثيرة ليلعبها بالتأكيد. والامر يمثل اختبارا جديدا لاطراف اربيل والنجف، فهم لم ينجحوا في استجواب السلطان ولا استجواب "صاحب الشرطة" او أمير الجند، ولا اصحاب "الحسبة"، لكن عليهم ان ينجحوا الان في توفير تمثيل متكافئ للاطراف الاساسية داخل المؤسسة التي تدير عملية الاقتراع، وإذا خسروا المعركة هذه فإنهم لن يربحوا سواها بالتأكيد.
عالم آخر: الاستيلاء على مفوضية الانتخابات
نشر في: 8 أغسطس, 2012: 09:32 م