TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تلويحة المدى: هل يوجد مثقفون عراقيون اليوم؟

تلويحة المدى: هل يوجد مثقفون عراقيون اليوم؟

نشر في: 10 أغسطس, 2012: 05:19 م

 شاكر لعيبيهذا التساؤل ثقيل الظل، لا يودّ استفزاز أحد. وهو طالع من الملاحظات والتعليقات الكثيرة التي نقرأها كل يوم، والتي تقطع قطعاً، في أحياناً كثيرة، أن هناك موتاً للثقافة والمثقفين ليس العراقيين فحسب إنما العرب، وأن هناك واقعاً مريضاً لدى المثقفين العراقيين، وأن "لا وجود لمثقف عراقيّ بالمعنى الذي يذهب إليه لفظ وفعل المثقف"
 كما يذهب جبار ياسين في تعليقه على مقالةٍ جديدة لعبد الرحمن طهمازي. بل يذهب آخرون إلى أن هذا الحال قد وقع"منذ أن خضع المثقف والأديب للمنظومات الحزبية والأيديولوجية إبان أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم". استطراداً قرأنا حدّ المملّ عن الموت السريريّ المفترَض للشعر العراقيّ، في مقالات بعضها نارية قليلاً، ومن دون رحمة.(التبعيض) ينقص البعض. وقراءتهم لمقالة طهمازي "مثقَّفون كالمثقّفين" كانت إجمالية لأنها لم تتوقف عند قوله " إن ما يلفت النظر، عند الكثير من مثقفي العراق، وهم الذين يعنوننا هنا، منذ الحرب العراقية الإيرانية.." التي تتضمن تحذيرين وجملتين اعتراضيتين.لعلهم يتحدثون، بإضمار غير مفهوم، عن (ظاهرة مريرة) عامة نشاطرهم في تشخيص ملامحها الرئيسية. لكننا، بحسن نية، لا نظن ذلك. ثمة في الثقافة العراقية نفيٌ مُعْلَن وعدم اعتراف مُضْمَر بالمثقفين العراقيين الكثر، الجادين الذين لعل أولئك النقاد والمعلقين الكرام يشكلون بعضاً منهم. لو أننا قمنا بجردٍ لأسماءِ النقاد والمعلقين والشعراء والصحفيين الذين ما انفكوا يشخّصون حالة الخلل في الثقافة العراقية، منذ الحرب العراقية الإيرانية، حسب تحديد طهمازي، لتوصّلنا إلى قائمة طويلة تشكل بدورها ظاهرة مقابلة، ليست قليلة الشأن أبداً. هذا إلا إذا لم يَعتبر نقاد (الظاهرة المريرة) أنفسهم شطراً من الثقافة في العراق، أو أذا كانت تنقصهم المتابعة الجادة لأعمال أقرانهم في نقد الثقافة العراقية، واستطراداً جهودهم الإبداعية الأخرى، وهو ما نؤمن به بمرارةٍ بفعل التجربة الطويلة.المعنى الذي تحدّده اليونسكو لمفردة ثقافة مفيد هنا: إنها نظام عقليّ وسلوكيّ واجتماعيّ يتجاوز الفعل الكتابيّ والتعليميّ الذي يبقى جزءاً منها فحسب. تُستخدم، بشكلٍ لا واعٍ كما نحسب، مفردة الثقافة بين ظهرانينا بالمستوى الرفيع الذي يمكن أن تحوزه. هذه الرفعة لائقة بمجتمع مدينيّ وسلوك مدنيّ ذي تاريخ عريق كالمجتمع الأوربيّ. لهذا السبب من المحتمل التفكير بعدم وجود (ثقافة عراقية) رفيعة حتى الآن، وإنما يوجد (مثقفون عراقيون) أفراد، كبار وبارعون ومبدعون ورفيعون، ولطالما اصطدمت الثقافة العراقية الخارجة من مجتمع عشائريّ وقيم غير مدنية، بـ(المثقفين العراقيين)، بل سخرت منهم أحياناً وطاردتهم وطردتهم من فضائها، بالدهاء أو الإكراه.من المحتمل كذلك أن لا يُرضي مثل هذا التعريف (للثقافة العراقية) غالبية الفاعلين فيها، لأنه يمسّ، في آنٍ واحد، الجوهريّ الوجوديّ واليومي المعتاد لديهم، نعني علاقتهم بقبائلهم ونسائهم وأسلوب عيشهم اليومي وتعالقهم بالزمن وتواشجهم مع فكرة المدينة ثم بميتافيزيقيا الوجود وبالأخلاق العامة التي لم تقع مساءلتها بشكل جوهري، بدءاً بمواصفات النميمة المُحْكمة وليس انتهاء بجميع ما يصفه طهمازيّ. كان المثقفون العراقيون دوماً في مواجهة هذا كله، أي في مواجهة الثقافة العراقية بعبارة أخرى، بدرجات متفاوتة من الإذعان أو الرفض.المشكلة الأخيرة هي أن بعض (المثقفين العراقيين) لا يلتفتون لمنجز ونقد سواهم للثقافة في البلد، معتبرين أنفسهم نتاجاً استثنائياً نسيجَ وحده بهذا الشأن. اللهمَّ لا تجعلنا منهم....

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram