حازم مبيضينلم يعد ممكناً لواحد من الأطراف المنخرطة في الأزمة السورية أن يفرض حلاً منفرداً يخرج بالبلاد من أتون الحرب المشتعلة فيها إلى بر الأمان, ولعل ذلك يرجع إلى تعدد تلك الأطراف وتباين دوافعها, فالحلول الوسط بين النظام وهو ليس على قلب رجل واحد كما أكدت الانشقاقات المتتالية في قمة هرمه وبين مناوئيه الذين يفتقرون إلى قيادة موحدة وفاعله,
باتت أمراً بعيد المنال, إذ كيف يمكن للنظام قبول التحاور مع معارضين يتهمهم بأنهم إرهابيون ينفذون أجندات خارجية " استعمارية وصهيونية ورجعية " , وكيف يمكن للثوار قبول التفاوض مع نظام يشترطون رحيله, وهم موزعون بين ثلاثة مرجعيات, أولها المعارضة السلمية الداخلية, وتلك المدنية المقيمة في الخارج وهي تتقدم بحلول تعرف أنها غير قادرة على تنفيذها, والمسلحة التي وجدت نفسها أسيرة لمصير واحد, إما قاتل أو مقتول.طبعاً علينا أن نضيف اللاعبين الإقليميين, عرباً وتركاً وإيرانيين, فالعرب عدا حزب الله " اللبناني الإيراني ", يدفعون بكل قوتهم لإطاحة الأسد ونظامه, وهم يقدمون كل أشكال الدعم لمعارضيه, ويقف معهم في هذا الخندق الأتراك, الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة فرضتها عليهم دمشق مع حزب العمال الكردستاني, الذي كان ينتظر على الجمر مثل هذه الفرصة الثمينة, فانطلق باحثاً عن حلفاء, حتى لو كانوا من أعداء الأمس, ثم يأتي دور إيران, وهي لاعب رئيس بحكم علاقتها الاستراتيجية التي ولدت وترعرعت في ظل الراحل الأسد الأب ووصلت قمتها اليوم على يد الأسد الابن, وهي علاقة يبدو أنه ليس في وارد القيادة الإيرانية التخلي عنها دون قبض أثمان هائلة يبدو أن لا أحد مستعد لدفعها.في المستوى الثالث يأتي دور المجتمع الدولي المنقسم بين الدول الغربية التي تنظر إلى ما يجري في بلاد الشام من زاوية المصلحة الإسرائيلية,وتتستر بالحديث عن الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان, وفي الكفة المقابلة روسيا والصين, التي تجد في الأزمة السورية باباً تنفذ منه إلى إعادة صياغة " حكم العالم ", من خلال سحب البساط من تحت أقدام العم سام,وفرض واقع جديد يلغي مرةً واحدةً وإلى الأبد القطبية الواحدة المتفردة, صحيح أن هناك مصالح أخرى تتدخل في مواقفهما, لكنها تظل ثانوية تصغر أمام نظرتهما الإستراتيجية إلى مستقبل العالم, وهما من قواه العظمى, بشكل مظهري حتى ما قبل اندلاع الأزمة السورية, بسبب السيطرة الأميركية الغربية على مقدراته.لا يعني كل هذا استحالة الخروج من الأزمة الراهنة, بقدر ما يعني الدخول في أزمات أخرى بأكلاف مرتفعة, فقد يلجأ النظام إلى ما يعتقد أنه حاضنته المذهبية في جبال العلويين والساحل, ولا يعني ذلك عدم احتفاظ الأسد الابن بشرعيته كرئيس لسوريا, ولو لم يحكمها بالكامل, والنتيجة الطبيعية لهذا محاولة مكونات سورية أخرى الانفصال ولو تحت يافطة الحكم الذاتي للأقليات وما أكثرها في بلاد الشام وهي مؤهلة لخوض حروب أهلية قد تستمر عقوداً, وقد تستمر المواجهات العسكرية بين الجيشين النظامي والحر حيث يقتل الأخ أخاه ورفيق سلاحه, إلى أن تقع معركة فاصلة واحدة ينتصر فيها أحدهما نصراً سيكون بطعم الهزيمة, وقد تندلع حرب إقليمية ترتدي لبوس الطائفية والمذهبية فتذهب بالمنطقة إلى حالة عدم استقرار لما لا نستطيع تقديره من الأزمان, وقد يركب كل من أطراف المجتمع الدولي رأسه فتندلع حرب عالمية ولو بأدوات محلية سيكون السوريون ومن حولهم وقودها ونارها. وبعد, ألا يحق لنا السؤال, هل خلت سوريا والعالم العربي من العقلاء؟ الجواب المؤكد حتى اللحظة هو نعم.
في الحدث: سوريا.. هل من حل ممكن؟
نشر في: 10 أغسطس, 2012: 06:10 م