TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > نص ردن: دولة الخرسان

نص ردن: دولة الخرسان

نشر في: 10 أغسطس, 2012: 08:56 م

 علاء حسن هذه الدولة  شعارها تحقيق الفضيلة والعمل المستمر لتلبية مطالب شعبها، ألغت الفوارق  الطبقية ، لأن  الجميع فيها متساوون سواء من كان في السلطة أو الرعية ، ومن فضائلها أنها تستخدم لغة الإشارة فقط ، ولا وجود  لناطق أو متحدث رسمي  يطل يوميا على شاشة التلفزيون الرسمي ليعلن إحباط مخطط تآمري .
دولة الخرسان لا وجود لها على الكرة الأرضية ، وإنما افترضها كاتب مسرحي عراقي ، ليجسد فكرة أن الكلام الكثير لا ينفع في إقامة نظام سياسي مستقر ، والسكوت من ذهب عند احتدام الأزمات واتساع الخلاف بين الأطراف التي تدعي أنها تريد خدمة الشعب أو الرعية .وباستخدام لغة الإشارة  تدور أحداث المسرحية ، وفي بعض الأحيان هناك من يتحدث لتوضيح  الفكرة للمشاهد   وبمواقف كوميدية  تظهر الطبقة الحاكمة من الخرسان أفضل من المتكلمين أصحاب الألسنة الطويلة ، والتصريحات اليومية والبيانات الرسمية .في هذه الدولة لا وجود للاجتماعات فكل مسؤول يعرف عمله طبقا لمنهج محدد ، وفي حالة حصول خرق أو ثبوت اتهام بارتكاب فساد مالي وإداري يطرد المسؤول من منصبه ويحل بديله بدقائق ، لأن الموضوع لا يحتاج إلى توافق أو تسوية ، أو إبرام صفقات ، وبإشارة واحدة ينتهي الأمر بسلام وتسير العجلة ، ولا احد يعترض أو يلوح باللجوء إلى المحكمة الاتحادية .ماذا يريد الكاتب من دولة الخرسان المفترضة؟  من المرجح أنه يرغب في تسليط الضوء على الدول المعروفة بأنها تقف وراء "شلعان كلوب" شعوبها ليفضح أساليبها وانحطاطها ، فهي وبما تمتلك من أدوات القوة من جيش وشرطة وأمن سري وبلطجية ، وأموال كثيرة  وطول لسان بماكنة إعلامية ضخمة ، تعمل على إذلال الرعية لتكون كما يقول المثل العراقي الشائع "تحت الحكة" وتمنع أية محاولة للتفكير بالاحتجاج أو التظاهر ، وتحرص على تلميع صور المسؤولين والمستشارين ، والقادة الأمنيين بوصفهم صمام أمان الاستقرار الأمني ، والسلم الأهلي . الكاتب المسرحي مؤسس "دولة الخرسان"  ساخط على حكام بلده  فهو يراهم مجرد لصوص ، سرقوا الديمقراطية ، فيما الرعية  تعيش حياة مزرية ، تحت خط الفقر ، وليس فيها  من يستطيع  توحيد كلمتها لقيادة أية محاولة للتغيير،  فالجميع خائف ويخشى أن توجه له تهمة أربعة إرهاب ، فيعتقل ثم تنام عليه الطابوقة لحين حصول غزو أميركي جديد .دولة الخرسان تتمتع بعلاقات طيبة جيرانها  على الرغم من أن الدول المحيطة بها لم تفتح فيها سفاراتها بعد لأنها تجل الطريقة المناسبة للتعامل الدبلوماسي مع  الخرسان ، ولا تجيد لغة الإشارات لكي تطور العلاقات بما يخدم المصالح المشتركة ، ودولة الكاتب المسرحي لا تعاني وجع الرأس من التدخلات الإقليمية لأنها محصنة طبيعيا وبقدرة الباري من أي تدخل في شؤونها ، وهذه فضيلة أخرى ، فضلا عن ذلك لا توجد قوى سياسية تغازل هذه الدولة أو تلك فالساسة المحليون من ماركة واحدة ، لايعرفون الاصطفافات المذهبية والطائفية والقومية ، وربما يكون هذا السبب هو سر نجاحها ، مسرحية دولة الخرسان في حال عرضها ربما ستدفع مشاهديها  لاختيارها بديلا عن واقعهم الحالي ، وتلك أمنية صعبة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram