عدنان حسين كأنه لم يكفهم ما فعلوه بالدين ومذاهبه وبالمراجع الدينية، فيسعون الآن إلى ما يثير الناس من جديد ضد الدين ومذاهبه ومراجعه. أعني السياسيين الذين يريدون أن يُلصقوا لصقاً بالمحكمة الاتحادية العليا عدداً من فقهاء الشريعة.هؤلاء السياسيون هم أنفسهم الذين هرعوا في مناسبات عدة، وبخاصة قبل انتخابات الجمعية الوطنية ثم مجلس النواب في دورتيه الأولى والثانية (الحالية)، إلى المراجع الدينية العليا (الشيعية والسنية)
ليخدعوهم بان القوائم الانتخابية التي تشكلت على أساس طائفي ستكون الأكثر تمسكاً بأهداب الدين وخدمة للدين والمتدينين وسائر الناس، والحال أن الدورات الانتخابية الثلاث، فضلاً عن انتخابات مجالس المحافظات، لم ينجم عنها سوى ظهور طبقة حاكمة من أسوأ ما يكون في تاريخ العراق الحديث.. طبقة تتشكل في أغلبيتها الساحقة من الفاسدين والمفسدين المنصرفين إلى مصالحهم الخاصة، فيما بقيت مصالح الشعب غير مكترث بها إلا من أقلية ضئيلة "لا تحل ولا تربط"، وهذا ما يفسر كيف أن موازنة عامة سنوية من مئة مليار دولار لم تحلّ، بل لم تخفف من، أي مشكلة من مشاكل البلاد التي صارت مزمنة ومهلكة.وهذا الكلام لم يعدْ يمثل رأي نفر من السياسيين والمثقفين الوطنيين المنبوذين من الطبقة السياسية الحاكمة، وإنما هو رأي المرجعيات الدينية العليا أيضاً. وأي مراجعة لخطب يوم الجمعة في الجوامع والمساجد الرئيسية في البلاد ستظهر أن ممثلي هذه المرجعيات لا يكفّون عن توجيه النقد القوي إلى الطبقة السياسية الحاكمة وأفعالها في كل ظهيرة جمعة، بل أن معظم هذه المرجعيات يرفض منذ مدة غير قصيرة استقبال هؤلاء السياسيين الفسدة المتواكلين عن أداء واجباتهم الدستورية والمتخبطين في أخطائهم وخطاياهم المتناسلة، حتى لا يتواصل استغلالهم للدين في السياسة وفي تصريف أعمالهم ومصالحهم. دستورنا حدّد لدولتنا هوية سياسية واضحة: دولة مدنية بنظام ديمقراطي. لم يُشرك رجال الدين في إدارة الدولة (رئاسة الجمهورية، الحكومة، مجلس النواب، السلطة القضائية)، فلماذا يُراد الآن الزج بعدد من رجال الدين في المحكمة الاتحادية؟وكيف سيجري اختيار هؤلاء؟ نعرف أنهم سيكونون من الشيعة والسنة، ولكن من أي مذهب وأي طائفة؟ فالشيعة والسنة مذاهب وطوائف عدة. ثم ماذا عن المسيحيين بمذاهبهم المختلفة؟ وماذا عن الصابئة المندائية والإيزيدية والكاكائية وسواهم من أهل الديانات والطوائف المختلفة في هذه البلاد التي لم تواجه في تاريخها الحديث أي مشكلة تتصل بعدم وجود رجال دين في محاكمها؟يبدو الإصرار على زج الدين ورجاله في المحكمة الاتحادية محاولة لتعطيل دور هذه المحكمة كمرجعية قضائية علياً نزيهة ومستقلة ومحايدة، ولتسييس القضاء بعدما جرى تسييس الهيئات "المستقلة".هذه المحاولة، إن نجحت، لن ينجم عنها أي توقير للدين وإعلاء لشأنه في الحياة الاجتماعية، بل هي ستؤدي إلى "بهذلته" مثلما "تبهذل" الدين من أفعال السياسيين التي تبرأ مراجع الدين منها ومن أصحابها.
شناشيل:توقير أم "بهذلة" للدين؟
نشر في: 10 أغسطس, 2012: 09:23 م