TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس:مسخ العراق

قرطاس:مسخ العراق

نشر في: 11 أغسطس, 2012: 06:35 م

 أحمد عبد الحسين إذا أقرّ قانون المحكمة الاتحادية بصيغته الحالية، وأغلب الظنّ أنه سيقرّ، فسيتوّج الساسة لدينا جهدهم المعلن تارة والمستتر أخرى بجعل العراق دولة للوليّ الفقيه مثلها مثل إيران تماماً. يحدث ذلك برغم الإعدادات الثانوية والهامشية التي تذكّر من بعيدٍ بالديمقراطية والحراك المدني وما إلى ذلك من عوارض يتستر بها الساسة على جوهر دينيّ صلب هم ماضون في فرضه بقوة السلطة والمال والاستقواء بأزمات يكبلون بها المواطنين ويلهونهم عما يراد بهم.
سيكون مصير العراق بيد أربعة فقهاء لهم حقّ نقض أي قرار، فما الذي سيجعل ذلك مختلفاً عن نظام جمهورية إيران الإسلامية التي يتحكم فيها فقيه؟ وما سيكون مآل الدولة المدنية التي كنا نؤمّل أن يكون عليها العراق؟كلّ يوم تأتي النخبة السياسية الحاكمة بما يثبت لنا أنهم جاءوا ليرسخوا شكل الدولة ـ المسخ التي خلقوها بجهلهم وأميتهم السياسية، لكنْ بإيديولوجيا رثة، أعمق ما فيها أنها تستقي قوتها من تبعيتها المحض للمثال الإيرانيّ.الدولة العراقية مسخ، بدءاً من الدستور الذي يضرب بعضه بعضاً، وليس انتهاء بالمحكمة الاتحادية التي سيكون لبّها وجوهرها والحاكم الآمر فيها فقيه لا يقيم وزناً لكل مظاهر المدنية في الدولة.الغريب أن النسبة الغالبة من مثقفي العراق ونشطائه المدنيين، صامتون، أتعبهم السياسيّ الذي ينجز لهم كلّ يوم مفاجأة من العيار الثقيل ليجعل كل مشتغل بالثقافة يهيج ويزبد ويرعد متظاهراً أو كاتباً أو محتجاً، ثم ما تلبث أن تهدأ الضجة حتى يأتي السياسيّ "صاحب المال والمتفرغ تماماً لهذه الألاعيب" بحركةٍ يراد منها تكريس صورة الدولة العراقية كمسخ يقوده مهرّج مقدّس.وبتوالي مفاجآت السياسيّ القويّ وتكرار ردود أفعال المثقفين، كان لزاماً أن يكلّ هؤلاء المثقفون وتخور قواهم، أسهم في إضعافهم أن الشارع العراقيّ منقسم بين سواد أعظم دائخ بأزمات تفتعلها الحكومة وتمسّ معيش الناس كالخدمات مثلاً، وبين آخرين ملتاثين بخوف طائفيّ تحسن الأحزاب "الإسلامية" أن تحقن به الجمهور كلما خفّ تأثير الجرعة السابقة.المثقف مثله مثل الناشط المدني، يكاد يكون بلا جمهور، لأن الجمهور العراقيّ اليوم مكبّل بأزمة ذات شقين: معيشية أو طائفية، وكلا الأزمتين صناعة حكومية لكسب الوقت ريثما يكتمل تماماً شكل الدولة المسخ الذي يخلق الآن على يد وحوش عقائدية يعيشون بيننا وعيونهم متجهة إلى الشرق.لكنْ .. كلّ شيء أهون من الصمت، علينا أن نفعل شيئاً، أن نحتجّ، أن نغضب، حتى الغضب المجرد وحده قادر أن يفعل المستحيل كما يقول ستيفان هسل في كتابه المعنون "اغضبوا".كلّ من بقي لديه حبّ للعراق لا يخالطه حبّ عقيدة أو طائفة أو الامتثال لأوامر دولة أخرى، كلّ من لا يريد أن يكتمل انمساخ العراق على يد عصابة اللصوص ومزوّري الشهادات والضمائر، عليه الآن أن يغضب.اغضبوا أرجوكم!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram