TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :والغباء بالغباء يذكر

سلاما ياعراق :والغباء بالغباء يذكر

نشر في: 11 أغسطس, 2012: 07:23 م

 هاشم العقابي من قال عن مصر إنها أم الدنيا أو بلد العجائب فقد صدق. وإني وإن لم أعش بمصر زمنا طويلا   إلا أنني ما مر علي يوم بها إلا وخرجت بتجربة جديدة أو فاجأني بها أمر جديد، سلبا أو إيجابا. حتى العراقي الذي يعيش بمصر إن عاشرته فقد تجده اخف ظلا وربما وزنا، مما كان عليه بالعراق أو بدول المنافي الأخرى. إنها تجربتي الخاصة التي قد لا تصلح للتعميم، لكنها شكلت عندي قناعة. وعلى "قناعاتكم" ترزقون.
وفعلا رزقت مساء الخميس الفائت، من حيث لا احتسب، بجليس من شغيلة مصر البسطاء. كان الفضل في ذلك يعود إلى لهيب الحر ودبق الرطوبة الذي تصاعد حتى ضيق علي نفسي. فبعد أن انقطعت الكهرباء عن الحي الذي اسكنه وطال انقطاعها قرابة ثلاث ساعات أو أكثر لم أجد بدا غير أن اهرب من الشقة بحثا عن مقهى مكيف في شارع مضيء فوجدت صاحبي.صعب علي أن أجد مكانا خاليا اجلس به، لان المقاهي مزدحمة بالناس في مساءات رمضان المباركة. تبرع بعض الجالسين بفسحة بعد أن تراصفوا فجلست بينهم. طلبت كأسا من الشاي الكشري فارتاح لي الجالسون وسألوني، كالعادة، إن كنت من العراق، فقلت نعم. أحلى وأطيب ناس. وكيف عرفتم؟ من طريقة طلبك للشاي ولفظك اسمه. الحمد لله إن عرفتموني من هذا وليس من غيره.وكالعادة، أيضا، دار الحديث ولف بنا هنا وهناك ليسألوني عن موقفي من صدام، بعد أن مدحوه كما يفعل اغلب المصريين البسطاء، وما أكثرهم، وشتموا مبارك. قلت للذي بجنبي وهو عامل نجارة كما فهمت من سياق حديثه: ليس صحيحا أن تقارن صدام بمبارك رغم أنهما مستبدان لكن صاحبنا دموي وصاحبكم ليس كذلك. لا يا سعادة الباشا فان "الحاكم الغبي لا يقل خطرا على الأمة من الحاكم الدموي إن لم يكن أخطر"، وحسني مبارك غبي. اعترف بان هذا العامل المنهك ماديا وجسديا قد فاجأني بجوابه. وحين قرأ علامات المفاجأة على وجهي أضاف: ألم تسمع بقول القائل "عدو عاقل خير من صديق جاهل"، وبقول سيدنا علي كرم الله وجهه "ما جادلني عالم إلا وغلبته وما جادلني جاهل إلا وغلبني"؟ بلى سمعت بهما وأشكرك. لماذا، وهل أغضبتك؟ لا بالعكس، انك نبهتني لأمر غاب عني وقد يكون هو السبب الأول لمعاناة العراق والعراقيين في هذه الأيام. وهو؟  يبدو أننا يا صديقي على عكسكم تماما فبعد أن هيأ الله لنا من خلصنا من دكتاتورية الدم وقعنا بفخ دكتاتورية الغباء. يبدو أن المصري قرأ علامات الحزن بوجهي ففكر أن يريحني. طلب لي شايا فشكرته رافضا لأني شربت الشاي توا. رد علي: ما يصحش والله لأني طلبت شايا لنفسي. قلت له اشربه وحدك هنيئا مريئا. قال بقفشة مصرية مباغته: لا والله يجب أن تشربه معي لأن "الشاي بالشاي يذكر" كما تقول العرب يا بيه. ضحكت وقلت له: وكذلك الغباء بالغباء يذكر يا ريس!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram