سرمد الطائي لفتْ نظري الشيخ ناطق نوري رجل الدين الإيراني البارز ورئيس مكتب الرقابة الخاص التابع للمرشد علي خامنئي، وهو يحيي مراسيم ليلة القدر في بث مباشر، إذ انه خصص جزءا كبيرا من حديثه لانتقاد "مزاعم" بدأت تروج هناك عن مواعيد لظهور الإمام الثاني عشر ونبوءات حول "آخر الزمان". راح ناطق نوري يكرر القول بأنه "لا احد يعلم بموعد ظهور الإمام حتى الإمام نفسه، فموعد الظهور ويوم القيامة، شيء خاص لا يعلمه سوى الله".
تصفّحت اخبار ايران الداخلية وجدت ان التصريحات جاءت ردا على فريق الرئيس احمدي نجاد الذي يستخدم فكرة الامام المهدي في صراعه مع جناح خامنئي. اذ يستخدمون تعبيرات من قبيل "ميزانية الامام المهدي" و"ادارة الامام المهدي" و"سياسة الامام المهدي" في الرد على اعتراضات تواجه الرئيس نجاد من نواب موالين للمرشد خامنئي. وجاء الشيخ ناطق ليقول ان اي حديث عن الغيب لا يجوز ان يدخل في السياسة لانه في النهاية "تلاعب بإيمان الجمهور"، وان "إمام الزمان" ليس مسؤولا عن اي سياسة يعتمدها رئيس الحكومة، على حد تعبير رجل الدين المقرب من خامنئي.وتظل ايران مختبرا رهيبا لكيفية استخدام مقدسات الجمهور، في الصراع السياسي حتى داخل الطائفة الواحدة. فبينما تشتعل المنطقة في حرب ساخنة ومخيفة بين الطوائف، تشتعل الصراعات داخل المجموعة المذهبية الواحدة ايضا، والملفت ان الجو الساخن على كل الاصعدة، راح يشجع المتصارعين اقليميا ومحليا على استخدام مفرط لحكايات "قيام الساعة" و"ظهور المهدي" والملاحم والفتن، في التراشق وشحذ المعنويات والاستعداد لمواجهة نخشاها جميعا على طول العالم القديم وعرضه، من البحرين والاحساء حتى بوابات حلب وطرابلس.وبينما كان الشيخ ناطق نوري يحاول ابعاد "المقدس" عن لعبة الكتل السياسية، انشغل الصديق نبراس الكاظمي وزوار صفحته على فيسبوك بإحصاء "شخصيات ليبرالية" تعمل في السياسة العراقية، وراح يحاول مع المشاركين أن يقوم بتحليل النتائج وصولا إلى السؤال الكبير: أين هم ليبراليو العراق؟الخلافات ظلت واسعة بين أطراف السجال، فقد اختلفوا في تعريف الليبرالية (وهل يشمل الشيوعيين) وراح آخرون يشككون في المواقف المعلنة لـ"وجوه التيار الليبرالي"، لكن المبادرة الذكية لنبراس في إثارة نقاشات صادمة احيانا، جعلتني افكر بوضع ليبراليي المنطقة داخل حرب الطوائف الكبيرة التي تستعر. فمن المفروض أننا نحن المؤمنين بالحريات الفكرية والسياسية والاقتصادية (وهي عماد الليبرالية) ننتمي إلى مسار اوسع من الطوائف والفرق الدينية هو شبكة مصالح تضم الجميع. لكن الملاحظ لحال الكثير من ليبراليي العراق، يجد انهم لا داخلون في طوائفهم ولا خارجون منها. لم يحصلوا على مكاسب الانتماء للطائفة، ولم يتخلصوا من "بلاوي" الانتساب لها. لا طائفتهم تقدر انفتاحهم، ولا خصومهم يثقون في "جدية" هذا الانفتاح، اذا استعرت المواجهة.ومحنة الليبراليين لا تنحصر في كونهم تائهين داخل حروب المذاهب، بل هم مشتتون تنقصهم المثابرة. وقد تكاسلت طبقة المتعلمين (الأقرب إلى الليبرالية) عن المشاركة في الانتخابات، ففي مدن العراق كانت نسبة المشاركة نحو 25 في المئة، بينما وجدناها في الأرياف تصل الى نحو 70.الطوائف حين تحترب تتحول الى التشدد الأقصى، والفراغ الذي يمكن لليبراليين سده باعتبارهم "خارج الانتماء" هو عرض حلول مرنة ولغة تعايش حديثة والتبشير بها كبديل عن سياسات الصدام والتطهير، للحيلولة دون استغلال إيمان الناس بطريقة بشعة في صناعة مواقف سياسية دنيئة. لكن ليبراليي العراق ظلوا بلا تصورات عميقة ومنظمة تستوعب هذا المأزق، وبقوا عاجزين عن تسويق صحيح لتصوراتهم، وما برحوا يضيعون المكاسب حتى حين تحظى بعض أفكارهم بعمق جيد وتسويق معقول.وباختصار فإن ليبراليينا ورغم ان الجميع ينتظر ان يسمع منهم رأيا مختلفا في كل قضية، لم يعرفوا بعد من اين تكون البداية، وما زالوا تائهين في حرب لم يشعلوها لكنهم اكتووا بنار فوضاها دون ان يحصلوا على حليف يميني او يساري، من الداخل او الخارج.إن لكل طائفة ارثا تاريخيا ضخما تقاتل به منذ "أول الزمان"، وإرثها يخفف من أخطائها، ويسد نواقصها ويخفي عيوبها عبر "صياح إيديولوجي" أشبه بأوراد المتصوفة أو كلام العرافين. لكن ليبراليي العراق فئة ظهرت في "آخر الزمان" لم تحصل على ارث ولم يترك لها احد حتى "كلام عرافين"، وعليها أن تبدأ من الصفر، كأي فتى يتيم يدخل دروب الحياة لأول مرة ليجد نفسه بحاجة إلى جسد لا يتعب، وروح لا تنام، ولم يكن مثل هذا الفتى بين كل الأسماء التي تداولها الأصدقاء على صفحات فيسبوك. انه رجل أو امرأة لم تذكره كتب "الملاحم والفتن" ونحن ننتظره على أحرّ من الجمر.
عالم آخر:ليبرالية العراق في "آخر الزمان"
نشر في: 12 أغسطس, 2012: 09:33 م