اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أصداء من الزمن البعيد

أصداء من الزمن البعيد

نشر في: 13 أغسطس, 2012: 06:04 م

 وميض إحسان ثمة من يفكر أن الحل الأمثل للخروج من أزماتنا المختلفة يتمثل بمعالجة كل قضايانا الشائكة من خلال إحلال الدين في كل مفاصل حياتنا، والاحتكام إلى المنقول منه إلينا عبر الزمن البعيد،والاتعاظ بأقوال وتجارب رجاله الورعين.وثمة من يظن أن الوقت مناسب، وظروف البلد ملائمة، لإقامة دولة إسلامية مرجعيتها الرئيسة
 أحكام الشريعة،دون التحسب لطبيعة المجتمع العراقي،ومتطلبات إعادة بناء الدولة العراقية التي دمرها الاحتلال، مراهنين على شيوع ظاهرة التدين في المجتمع، ولعلها مظاهر التدين، المتمثلة بتزاحم الناس البسطاء على تأدية الشعائر في المناسبات الدينية. يشجع على الاستغراق في هذا الظن أمران:الأول :اقتحام رجال الدين بوابات السياسة، برضا وقبول السياسيين أنفسهم، واحتلال مواقع مؤثرة في صنع القرار السياسي للبلد..والثاني :كثرة التجاوزات على الدستور، أو تأويله، من قبل الأحزاب والكتل السياسية، في الكثير من المناسبات، خصوصاً في ما هو مرتبط بتوصيف واجبات وصلاحيات  المؤسسات التي تدير شؤون الدولة، وانعكاس كل ذلك على الحياة العامة للناس.ويبدو أن المندفعين بهذا الاتجاه لم يتحسبوا إلى أن الظروف التي يعيشها البلد الآن لا يمكن أن تستمر لمدة طويلة، ولابد أن يأتي اليوم الذي تفرض فيه الجماهير رؤيتها على الواقع السياسي، ما يضطر النخب السياسية إلى التعقل، والنظر إلى مصالح المجتمع ومصالح الوطن، حينذاك ستجنح إلى احترام تعهداتها وتتوقف عن ممارسة التجاوز على الدستور، على الرغم من الفجوات العميقة التي تتخلل مفاصله، التي تسمح بتمرير الخروقات عن طريقه.وإذا ما تحقق ذلك، فإن التداخل بين دور رجل الدين ودور السياسي سيتراجع، وستغلق الكثير من البوابات السياسية نفسها، أو يغلقها الآخرون، بضرورات حقائق الحياة وبحكم متطلباتها. إذ أن الخلط الحاصل في الوقت الحاضر يلقي بأحماله الثقيلة على المجتمع، ويضر برجل الدين ورجل السياسة على حد سواء، ذلك أنه في الوقت الذي ينبغي أن يقتصر دور رجل الدين المتحزب على دور دعوي للرسالة الدينية، أو تعبوي للأيديولوجية الحزبية، فإن دور السياسي يجب أن يقوم على تنفيذ المهام العملية على الأرض، منها تطبيق القوانين ورعاية مصالح الناس وغيرها..ذلك هو الفرق بين التنظير والتنفيذ في العمل السياسي.وتلك هي الضرورات التي تتطلب التخلص من ظاهرة رجل الدين الذي يتقمص دور السياسي، وامتناع السياسي عن ممارسة دور رجل الدين.لعل الكثيرين الذين يبهرهم هذا المد الديني يجهلون أن الشعور بالتوحد ، والعجز عن مقاومة ظروف الحياة القاسية، لهما تأثيرات كبيرة في دفع الإنسان للاحتماء بالمذهب، أو الطائفة، أو العشيرة، خصوصاً بعد أن يستحكم اليأس به، وتغلق أبواب الرجاء بوجهه، فينكفىء على نفسه، ولن يعود أمامه غير طلب العون والخلاص من المجهول، وذلك ما يدفعانه إلى الوقوع في أسر الأساطير، والتمسك بقصص الغيب، التي يأمل أن يوصلانه إلى المنقذ.وواقع الأمر إن الذين يظنون أن الوقت مناسب، والظروف ملائمة، لتحقيق مشروعهم الديني، بغض النظر عن حقيقة نواياهم من وراء ذلك،إنما يغلب عليهم طابع إهمال وقائع التاريخ، وأحكام المتغيرات في الحياة الإنسانية، وطبائع النفس البشرية، ولا يريدون أن يتفهموا أن تجربة الدولة الإسلامية بالمفهوم المتداول لم تعد نافعة في الحاضر، ولا جدوى من التشبه بالآخرين، خصوصاً بعد أن أظهرت التجربة عقمها في أكثر المجتمعات تشدداً في الالتزام بشعارات الدين، أو تحفظاً تجاه نتاجات العقل، هذا الأمر يكشف عن طريقة تفكير تقف على الضد من حركة التأريخ الإنساني ومعطياته في تجارب الآخرين.وعلى الرغم من ذلك، فإنهم يزايدون في إظهار نوع من التقوى المفتعلة، ويعمدون إلى محاصرة الحياة العامة بطريقة تؤدي إلى سلب المجتمع حريته،وفي ظنهم أن مجرد انخراط الناس في دوامة التدين يؤدي إلى حل كل المشكلات السياسية والاقتصادية والخدمية التي تحيل حياة الناس إلى جحيم،ومن ثم إنهم يشغلون الناس، ويشغلون أنفسهم، بإجراءات جانبية، على أمل أن يتمكنوا من إخفاء عجزهم عن تلبية حاجات الناس الحقيقية والدفاع عن مصالحهم والمطالبة بحقوقهم الدنيوية في العيش الكريم.والمعضلة أن القائمين على أمور الدين في البلد يحاولون إسقاط تصوراتهم على الشارع العراقي، ويعملون على جر الآخرين خلفهم، الأمر الذي يؤدي إلى انقسامات خطرة بين الناس.والمعضلة الأكبر أن السياسيين يعملون على توظيف تلك التصورات لخدمة أغراضهم الخاصة، وهو ما يقود إلى إفساد العمل السياسي في البلد، وضياع الفرص في بناء الدولة المدنية على أسس ديمقراطية.  وبالتالي فإن معالجة الأوضاع المضطربة في البلد بشكل موضوعي، وإيجاد الحلول للمشكلات التي يعانيها الناس، ينبغي أن تنطلق من رؤية سياسية وليس من تصورات، ولعلها أوهام، عقائدية أو قيم متحجرة، تفتقد  نداوة العصر وديناميكية التطور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram