TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: "السيادة" الضائعة

أحاديث شفوية: "السيادة" الضائعة

نشر في: 13 أغسطس, 2012: 09:52 م

 احمد المهناكان صدام حسين يرشو العرب والأجانب ولم يرتش. وكان حساسا للغاية تجاه مقامه بين الدول. انه لم يكن مستقلا سيدا على مصيره ومصير بلاده فحسب، وانما تطلع الى أن يكون سيدا ومقررا في مصير "الأمة العربية".
    وقد نتحسر على الجانب "المستقل" في شخصه، وعلى "نديته" تجاه الدول كبيرها قبل صغيرها، خاصة ونحن نرى ورثته من الساسة متوزعين بين من يقبل الرشا من أصغر الدول وأكبرها، وبين من يستمع الى كلام أنظمة مجاورة أو بعيدة استماع التابع الذليل، وبين من يتطلع الى تدخل هذا الجار لموازنة تدخل ذاك الجار. والكل سواء في مرد سيادته الشخصية والسيادة الوطنية معا. كما ان الكل يستشعر نبض الجار كما لا يفعل أبدا مع نبض الدار.وهي والله حسرة في محلها. فلا يوجد شعب يرضى بتبعية ساسته لدول أخرى. وقد صارت المعلومات عن مظاهر هذه التبعية موفورة ومفضوحة. ومع ذلك فان ذلك "السيد" وذلك "المستقل" الى درجة العنجهية والغرور التام، كان هو المتسبب الأعظم في اخضاع السياسة المحلية الى التبعية الأجنبية، وفي مرد السيادة العراقية مردا تاما.ولعل اشهر عناوين نهاية السيادة هو إخضاع العراق للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة منذ 1990 الى يومك. فقد جعله ذلك كما جعل العراق ملطشة. ثم تضخمت الملطشة عام 2003 الى غزوة. أما العنوان الآخر الدامي للسيادة، فهو اضطرار الأحزاب والساسة الى الهجرة من العراق. ذلك أن صدام جعل من نفسه السيد المستقل الاله الوحيد في البلاد. ولم يعد "الشرك" به ممكنا بأي حال من الأحوال.وما حدث مع الفلسطينيين في الشتات تكرر مع الشتات العراقي. كانت كل جماعة تأخذ شكل الاناء الذي تحل فيه. ايرانية عندما تكون في ايران. سعودية عندما تكون في السعودية. بريطانية في بريطانيا. وهكذا. ان المنفى هوان. وكان صدام هو آلهة ذلك الهوان، هو صانعه الأعظم، وكان ضحايا ذلك الهوان من مخلوقاته رغم أنهم ألد أعدائه. وليس بدعا في التاريخ أن يقرر العدو مصير عدوه.يقول مثل مصري "من خرج من داره قل مقداره". ويقول مثل كردي ان "الصخرة في مكانها ثقيلة". ذلك هو قهر "الجغرافيا" مع الأفراد. وهو أكبر وأوجع مع قهر "الجغرافية السياسية" للجماعات والأحزاب. ان الضحايا من كرد تركيا الموجودين في سوريا قد تحولهم سلطة الجغرافية السياسية اليوم الى قامعين للثوار من أبناء جلدتهم الكرد السوريين وللعرب السوريين معا. "مجاهدي خلق" المنتفضون على ايران فعلوا ذلك مع المنتفضين العراقيين عام 1991.والنتيجة الأخطر لدكتاتورية صدام وللشتات العراقي ليست تبعية هذا السياسي أو ذاك الحزب لهذه الدولة الأجنبية أو تلك. فالشخصيات والتنظيمات السياسية عرضة للتغيير والتعديل. ان الأخطر من التبعية السياسية هو التبعية الاجتماعية والثقافية والنفسية. فترى ان "الشيعة" مثلا أكثر حساسية تجاه التدخل التركي من التدخل الايراني. والعكس بالنسبة الى "السنة". فهاتان الحساسيتان تمثلان ضربة أوجع الى مبدأ السيادة الوطنية وبالجملة للفكرة الوطنية.ان اسلافنا العراقيين أيام العثمانيين كانوا على ما يبدو أكثر استقلالية منا تجاه التدخلات التركية الايرانية. فرغم أنهم كانوا تحت السيادة العثمانية، لكنهم اعتبروا أنفسهم ضحايا للطرفين حسب قول مأثور لهم:"بين العجم والروم بلوى ابتلينا". فما أمرَّه وأتعسه من تحول اذا أمست تلك "البلوى" اليوم أملا وتطلعا "بين الطوائف".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram