فخري كريم
تتنافس الكتل النيابية وقادتها على" أبوة" كلٍ منها للعملية السياسية " الديمقراطية " وما تحقق فيها من "منجزات" ينعم بها شعبنا المبتلى بقادته الغيورين على مصالحه !
ولا يمر يوم دون تواتر أنباء وتصريحاتٍ ومؤتمراتٍ صحفية وندواتٍ " جمعانيةٍ " لهؤلاء القادة يدور موضوعها حول تشبثهم بإقامة الدولة الديمقراطية، دولة المؤسسات والحريات وحقوق الانسان،وكيف أن " الآخر "، الذي لم يعُد يُسمّى ، يعرقل ويحول دون تحقيق هذا المطمح المزعوم.غير أن واقع الحياة المعاشة للمواطنين في البلاد يتكفل بتفنيد ما يدعيه هؤلاء القادة، فكلهم، على تباين مواقعهم وحصصهم، ممثلون في مجالس المحافظات ومقررون فيها، مثلما هم متربعون على كراسي الوزارات والمواقع القيادية في الدولة ومرافقها الحيوية. ولكثرة لوعة المواطنين من ممارسات هؤلاء السادة ممثلي الكتل الحاكمة، فقد حفظوا ملامح وجوه الحكام، بل وعدد حبات مسابحهم وتسريحة لحاهم "وطيّات جيوبهم المنتفخة بالمال السحت".والحال، ان دولتنا المفترضة " لا دولة " حتى الآن بالمعنى الدارج للأمم المتحضرة ، فهي محكومة بإرادة حفنة من قادة الكتل المتوافقة في ما بينها بالتواطؤ والمسايرة على المصالح الفئوية الضيقة، بل الشخصية والعائلية. ونواب الشعب، "الا استثناء"، لا يمثلون سوى زعماء كتلهم لا ناخبيهم، لأنهم كما يعرف أغلبهم لم يجر اختيارهم من قبل الناخبين المسجلين، إذ بعضهم لم يحصل على بضعة مئات من الأصوات. ولو قدر لأحدهم أن يرشح نفسه في محلته مختاراً لما وجد من يصوت له.ولهذا لا يتجرأ مجلس النواب أن يمرر ما يتفق عليه القادة دون ان يتعرف البعض من النواب الأفاضل على مضمون ما يصوت عليه او النتائج الخسارات التي ترتب عليه والآثار الجانبية التي قد تصيب " بني عمومته " وسادة نعمته .!فكيف ونحن في هذه الحال نتوقف عند قوانين وقرارات يتخذها المجلس الموقر، ونبحث في طبيعتها المنافية للديمقراطية والدستور وإرادة الناس من بني وطننا المغلوبين على أمرهم، ونسمح لأنفسنا ان ننتقد ونحاسب النواب المساكين، ونحن نعرف، مثلهم، ان المجلس يُدار من خارجه ويتحكم في شؤونه ومساراته " قيّمون" لم يعد يدور في حساباتهم غير ما يضمن مصالحهم ورغباتهم غير المنزهة عن إغراءات السلطة وامتيازاتها، على الضد من مصالح البلاد والشعب، ولا يدخل في حساباتهم ما يستهدف تقويم الأخطاء التي " تزدهر" بفضل الحكومة الرشيدة وزعيمها الأوحد، او اعادة معافاة العملية السياسية وتفكيك الأزمات التي تنذر بعواقب ليست في الحسبان، ناهيكم عن التفاتهم لما هو ذو صلة من قريب او بعيد بانهاء معاناة ابناء شعبنا المكتويين بنيران جحيم هذا الصيف وانعدام الخدمات، حتى اكثرها حيوية لهم، والتدهور المستمر في الوضع الأمني، وتفشي الفساد وانتهاك الديمقراطية التي يوهموننا أنها سمة "دولتهم" الوهمية !
والملفت ان الادعاء بالدفاع عن مصالح الشعب لا يتوقف عند حد، ويظل يتردد على السنة هؤلاء السادة ، قادة الكتل وأرباب المحاصصة والملتفين على إرادة الشعب بالتواطؤات المتبادلة. وما الغرابة في هذا مادام كل ما كان يخدش الحياء العام ويوجع الضمير ويمس الشرف قد أمسى في عراق اليوم "مصدر قوة ونفوذ" ولا يستحق من لصوص المال العام والمتنفذين في دولة الطوائف حتى مجرد رد او إيضاح.
آخر صولات نوابنا الأشاوس في الشهر الفضيل قرارهم التاريخي بإمرار قانون انتخابات مجالس المحافظات، بطبعته الجديدة القديمة ، التي تُقر شرعية " السرقة " والتجاوز على ما للآخرين، لا فرق في ذلك سواء تمثل في المال او الحقوق، ما كان منه ماديا او عينياً. والحق أنه هذه المرة أقدس من المال والجاه. انه إرادة الناخبين وأصواتهم التي بها يتقرر مصير مسار البلاد ومستقبلها ووجهة تطورها، ومصائر الشعب المبتلى بقادته وأولي الأمر فيه .!
ولم يكن مستغربا، في ظل هذه الأوضاع المنحدرة والملتبسة والأزمة المتعمقة، أن يتفق قادة الكتل على إقرار قانون انتخابي للمحافظات ، تُصادَر به أصوات ناخبين وتضاف الى أصوات القوائم الكبرى " الفائزة " بدلاً من إضافتها الى رصيد الخاسر الاكبر، وهو ما يتوافق مع المضامين الديمقراطية ويعزز مسيرتها. فالفساد المستشري في العراق الجديد وينهش في جسد الدولة " اللادولة " يجيز " لطش " الأصوات كما يُحلل شرعنة السرقة والتعدي ومصادرة " الأمل " الذي ضحى الملايين من أبناء الشعب دفاعا عن لحظة إشراقه، ويجري العمل على إطفاء جذوته على ايدي فريق رئيس الوزراء وهم يسعون لتكريس مملكة طغيانٍ جديدة تحت خيمة الطائفية المقيتة، وتواطؤ ملوك الطوائف او خوفهم من المجاهرة بالحقيقة تجنباً لعواقب لا طاقة لهم بها، وقد تعود البعض منهم على الخنوع المذل .!
لكن المستغرب ان يصطف نواب التحالف الكردستاني مع الآخرين في التصويت على القانون الذي يشرعن سرقة أصوات " رافضين للطائفية وللمحاصصة وللإسلام السياسي"، وتجييرها لحاملي براءة اختراعها.
وفي هذا الموقف يبدو ان هؤلاء النواب، أو من زّين لهم هذا الاصطفاف المخل، قد تناسوا انهم بذلك يناقضون دعاواهم في العمل على تأسيس دولة ديمقراطية مدنية، بل يغدرون بأخلص حلفائهم من الديمقراطيين والقوى المدنية التي تتعرض للتهميش والتجاوز. والأخطر من ذلك ان موقفهم هذا يدلل على انهم ينطلقون من حسابات يومية ضيقة لا يجمعها جامع مع نهجٍ شامل ورؤية عميقة للعلاقة بين كل جوانب العملية الديمقراطية والمصالح المترابطة لمكونات المجتمع العراقي ومآلها، وبضمنها مصالح الشعب الكردي، المُهدد بتزايد مخاطر تكريس حكم الطغمة والحزب الواحد والفرد المستبد.
ان التحالف الكردستاني مطالب بتصحيح هذا الموقف والتبرؤ منه، وقبل ذلك .. الاعتذار من حلفائه" الموضوعيين" المجربين، الشريحة الواسعة من العراقيين المتمثلين بالقوى الديمقراطية والمدنية، ومن أطياف اللائذين بالصمت، ولو الى حين ..!