حازم مبيضين قراران متزامنان أخذا طريقهما إلى التنفيذ في مصر, أولهما اتخذه وتبناه الرئيس محمد مرسي, ويتعلق بإقصاء رجلي الجيش القويين طنطاوي وعنان, وهو قرار لقي قبولاً شعبياً عارماً, ليس بسبب الموقف من الرجلين تحديداً, وإنما تعبيراً عن التوق إلى الدولة المدنية, التي يكون فيها الرئيس المنتخب شعبياً, هو الأقوى وصاحب الكلمة الأخيرة, وأيضاً بسبب القناعة الشعبية, بضرورة أن يعود العسكر إلى ثكناتهم, تاركين العمل السياسي لأصحابه, متفرغين لمهمتهم الأساسية في الدفاع عن الوطن وسيادته.
القرار الثاني اتخذ بالنيابة عن مرسي وبوافقته, ويتعلق بإغلاق قناة الفراعين, ومصادرة أعداد صحيفة الدستور, بسبب تعرضهما لشخص رئيس الجمهورية, وكأنه ليس رئيساً تسلم موقعه في بلد خرج نتيجة للثورة من حقبة الحكم الدكتاتوري, التي صبغت وجه الدولة المصرية, منذ إطاحة الملكية, وقفز العسكر إلى مواقع السلطة, أو كأنه يستمد القداسة من انتمائه لتنظيم ديني يمنحه العصمة, وليس سراً أن مثل هذا القرار, وبغض النظر عن مسبباته, يمثل خطوةً أولى, لاتقود لغير الدكتاتورية بالتأكيد, وهي في الحال المصرية ستكون أشد وطأةً, لادعائها بأنها تنفذ إرادة السماء.في القرار الأول, الخاص بإخضاع العسكر لمؤسسة رئاسة الجمهورية, والرئيس المنتخب, ما يشير إلى أن مرسي لعب أوراقه بمهارة, وهو انتظر الفرصة المناسبة, التي أتته من سيناء, لإطاحة الرأس الثاني في النظام, وهو من كان يرى في نفسه رجل مصر الأول, بسبب موقعه على رأس الهرم الأقوى, ونقصد بذلك الجيش, الذي أثبت قرار مرسي أنه لم يكن على قلب رجل واحد, وأن رياح الثورة التي أطاحت مبارك نحتت في مفاصله, وأنبتت براعم شبت عن النضارة فور تفتحها, لتكون الدماء الجديدة, التي تتدفق في عروق جيش مصر, وهي تعيده لأداء دوره العظيم, بعيداً عن كولسات السياسة ودهاليزها.غير أن القرارات الخاصة بالإعلام, كانت بكل المقاييس, تعنتاً وإساءة لاستخدام السلطة، وهي للأسف تعكس توجهاً نحو حالة استبداد جديد, ومرحلة انتقال إلى الدكتاتورية , وليس صحيحاً أنها أتت حماية للرأي العام من الفوضى الإعلامية، فهذه حجة بائسة, يلجأ إليها من لايرغب في أن يكون القانون هو المرجع والحكم, لاعتقاده بعدم المساواة بينه وبين خصمه, ولن يستقيم ذلك بالتأكيد مع قيم الجمهورية الديموقراطية الجديدة, التي فجر شباب مصر ثورتهم للوصول إليها, ولم يتمكنوا من قطف ثمارها.نتمنى أن لايقع الرئيس مرسي في خطيئة محاولة تكميم أفواه الإعلاميين, وإن كان خطابه الأخير, بعد التغييرات في قيادة الجيش يبعث على المخاوف, لأنه أرجع كل تلك التغييرات وما سيتبعها إلى إرادة السماء, باعتباره مؤتمناً عليها ومكلفاً بتنفيذها, وبمعنى أنها ستكون فوق النقد والمعارضة, وله أن يأخذ درساً من سلفه, الذي كان دكتاتوراً بكل معنى الكلمة, لكنه كان يعطي قدراً من الحرية لأجهزة الإعلام, وتحضرني هنا مقولة لسياسي أردني مخضرم قال يوماً " مجنون السياسي الذي يعادي الإعلام ".لليساريين المصريين حق الخشية من أن تشهد مصر خطوات لإقامة دولة بوليسية إرهابية, تكمم الأفواه وتصادر الرأي الآخر, وأن يعتبروا القرار الخاص بالفراعين والدستور, فرضاً لنظام الفكر الواحد والرأي الواحد, تمهيداً لفرض نظام الحزب الواحد, في صياغة ديكتاتورية جديدة, أكثر بشاعة مما سبق، وأن يروا في ذلك القرار, محاولةً من الرئيس للهروب إلى الأمام, بدلاً من إيجاد حل للمشكلات التي يكشفها الإعلام الحر والنزيه.المطلوب اليوم, بدل القرارات التعسفية بالمصادرة والإغلاق, هو تفعيل الميثاق الإعلامي بصورة حازمة, حتى لا تكون الحقوق والحريات مستباحة من الطرفين، وليس مهماً أن يكون حزب الحرية والعدالة, هو من تقدم ببلاغات إلى القضاء, ضد المؤسستين الإعلاميتين المتضررتين, فالمعروف أنه حزب الرئيس, الذي يعتبر المسؤول الأول عما جرى, وهو لايصب في مصلحته.
في الحدث :مع وضد محمد مرسي
نشر في: 14 أغسطس, 2012: 08:54 م