TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر:فتاوى "عصر الظهور" وإثارة الهلع

عالم آخر:فتاوى "عصر الظهور" وإثارة الهلع

نشر في: 14 أغسطس, 2012: 09:46 م

 سرمد الطائي يبدو أن الحديث عن الإمام المهدي سيشيع في جدلنا السياسي الداخلي كما شاع بقوة في إيران المجاورة خلال الأسابيع الأخيرة، وهناك من يستمتع بتحويل الفكرة المقدسة لدى الجمهور المؤمن، والمرتبطة بإقامة العدل، إلى مجرد موقف داخل عمليتنا السياسية المتعثرة. المتعالي والمقدس يصبح جزءا من صراع كل أطرافه متورطون بمواقف غير مقدسة ومليئة بالخطأ الدنيوي. الأمر يتجاوز الاستخدام السياسي حين يتحول إلى سبب للهلع، يمكننا ملاحظته عبر تعليقات القراء
 على خطبة للشيخ جلال الدين الصغير يتنبأ فيها بأن الإمام المهدي سيخوض حربا ضد الأكراد.قبل يومين كتبت عن مستشار رفيع للمرشد الايراني علي خامنئي وهو يهيب برجال الدين ان يتجنبوا تحديد مواعيد لظهور الامام الثاني عشر وسط الازمات الاقليمية الراهنة. وحديث الشيخ ناطق نوري جاء بعد ان شاعت في ايران تكهنات كثيرة تحاول ربط الوعد الغيبي بالتطورات في سوريا والمنطقة، ومكتب خامنئي لا مشكلة لديه في استخدام فكرة "زمان الظهور" للتحريض على المعسكر الطائفي الاخر، بل بدأت القيادة الايرانية تشعر بالقلق حين اصبح الامام المهدي في خطب بعض رجال الدين، "مناصرا" للرئيس احمدي نجاد ضد خصومه وفيهم حلفاء بارزون لخامنئي.الامر في ايران خرج عن كونه محاولة تكهن بمستقبل الصراع الاقليمي وتحول الى اداة في الصراع السياسي الداخلي بين نجاد وفريق المرشد، وهو ما جعل مستشار خامنئي يسخر من وصف ميزانية الحكومة بأنها "ميزانية الامام المهدي" واستخدام تعبيرات اخرى مثل "سياسة الامام المهدي" و"ادارة الامام المهدي" كي يجري تخويف المعارضين وردعهم.لقد كتبت هذا قبل يومين بعيدا عن الجدل العراقي الداخلي، الا انني فوجئت صباحا بحديث للشيخ جلال الدين الصغير نقلته اذاعة العراق الحر، يقول فيه ان الامام المهدي سيدخل في حرب مع الاكراد. وان التحركات الاقليمية الاخيرة ترجح ذلك. وحين قمت مع الزملاء بتصفح موقعه الشخصي وجدت القراء مصابين بنوع من الهلع. هناك قارئ شعر بالخوف على نحو واضح وراح يسأل الشيخ: "نحن عراقيون نسكن اوربا، هل تنصحنا بتغيير اماكن سكنانا قبل حلول الكارثة"؟ ان الناس تؤمن بالمقدس وتنصت لرجال الدين وتصاب بالهلع حين تجد تأويلات لنص ديني تقول لهم ان الجميع سيأكلون الجميع في حرب ضروس وشيكة. قراء اكراد راحوا يكتبون الى مكتب الشيخ كلمات بعربية ملكونة مفادها ان الامة الكردية مسلمة مؤمنة وانها تحب اهل البيت ويستحيل ان يأتي الامام المهدي للقضاء عليها.رجل الدين هذا قد يشعر بالزهو حين يرى خطبته تثير الهلع لدى الجمهور من سفح شقلاوة حتى اماكن لجوء العراقيين في اوربا وهم يتوسلون بالشيخ العارف بالاسرار ان يدلهم على مدينة ستبقى آمنة ولن تقصفها جيوش الامام المهدي. لكن الشيخ هذا يتناسى ان فكرة المهدوية جاءت كوعد سماوي بإشاعة الامن والسلام والعدل ولم يكن المقصود منها اخافة الامة الكردية التي اخذت نصيبها من الكيمياوي وغير الكيمياوي، كما لم يكن المقصود منها اثارة الذعر لدى عراقي مسكين ترك وطنه المحترب مع نفسه وعثر على ملجأ آمن في اوربا يحفظ له انسانيته، ليأتي تأويل وتنبؤ ويقول له ان الامام الثاني عشر قد يقصف ملاذك الاوربي بالطائرات، او ان الحركة المهدوية ستدك القرى التي سبق وان سحقها صدام حسين في شمال البلاد.الشيخ ناطق نوري المعروف بأنه يمثل الجناح المعتدل في مكتب خامنئي تحدث بمنطق ان الامام نفسه لا يعرف موعد ظهوره لانه من اختصاص السماء مثل يوم القيامة. والحقيقة ان خبراء الحديث والرواية يهزأون بالاسانيد التي جاء عبرها تراث "الملاحم والفتن" خاصة وان "العلامات" التي تتحدث عنها الروايات المنسوبة، تكرر حصولها الف مرة دون ان يحل الزمن الموعود، فقد خربت الكوفة وهاج الشام وحصل الهرج والمرج في البصرة، مرات ومرات عبر القرون، وفي كل مرة كان العرافون يخرجون للناس بتأويلات لا تثير الهلع فحسب بل وتلعب دورا خطيرا في اثارة طرف على طرف وملة ضد ملة.انه زمن الباحثين عن "نجومية" بطعم طبول الحرب، والطالعين بمظهر "العارف الوحيد في زمن الذاهلين عن الحقيقة" اما الامر الاكثر طرافة فهو ان نبوءة الشيخ في "ابادة المهدي للاكراد" استندت الى حديث لم يرد فيه ذكر الامة الكردية. لكن الشيخ التفت يمنة ويسرة وراقته لحظة التأزم مع اربيل فأعجبته فكرة خروج جيش عربي للقضاء على "مروق من جهة الروم" سيكون ضحيته الاكراد.المشكلة لا تقتصر على شيخنا الجليل بل سيتكاثر العرافون ويتناسلون بمشهد يذكرنا بالفيلم الامريكي "ذي ميست" او الضباب، فالوحوش الغريبة تحيط بمجموعة متسوقين داخل متجر، وبينما يحاولون العثور على حل عملي للتخلص منها، تأخذ عجوز مهلوسة بتأويل فقرات من الإنجيل وتحرض المؤمنين على قتل شابة غير محتشمة لانها "سبب البلاء" وان التخلص منها سيجعل الوحوش تبتعد. هل اصبحنا مشهدا في فيلم هوليودي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram