TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:بعيدا عن السياسة

أحاديث شفوية:بعيدا عن السياسة

نشر في: 14 أغسطس, 2012: 10:31 م

 احمد المهنا أشعر بالذنب كلما كتبت في السياسة. فهذا الميدان كله نكد في نكد. والناس تبدو منزعجة من كل شيء فيه. وعن حق ومن دون حق ايضا. وصاحب الحق هو من يعرف ما لا يريد ويعلم ماذا يريد. أو من يميز بين الباطل وبين الحق.وجميعنا يزعم تمتعه بأهلية مثل هذا التمييز. فإذا كانت معرفة الحق على هذه الدرجة من اليسر فما الذي يمنعنا من التزامه والعمل وفق ضوابطه وتوجيهاته؟ هذا سؤال بسيط.
 وأحسب أن على كل منا أن يطرحه على نفسه. وأن يحاول العثور على جوابه الخاص عنه. أي الجواب الطالع من كد الدماغ الشخصي فعلا، وليس المستعار من التَرِكَة أو الغير.عندها كم سيكون بين أيدينا من الأجوبة؟ كثرة هائلة. عظيم. كل وفرة بركة. إلا وفرة الفوضى. وهذه لا تأتي من تشغيل الدماغ وانما من تعطيله والعمل بدلا منه بأشياء أخرى مثل الغريزة والرغبة والخرافة وما اشبه. ولعل مثل هذا الاستبدال هو المسؤول عن الفوضى الهدامة للسلامة والإنارة والصحة والنظافة. وقد استخدمت هذه الكلمات بدل نظائرها المعروفة كيما أبعد حديث اليوم عن السياسة.والكتابة في الصفحات الأخيرة من الجرائد تتطلب نوعا من التنويع والتخفيف رحمة بالقارىء الذي يكون قد شبع في الصفحات السابقة قهرا من مصائب السياسة. ولكن يبدو أن هذه المصائب تجرنا اليها جرا. ولربما أصابتني العدوى من جاري الصديق الاستاذ علي حسين، الواقف للسياسة والسياسيين بكل أسلحة الدمار التقليدي والشامل.ورأيي أن الحياة تكون سودة مسخمة عندما تكون كلها سياسة. إنني، وخلافا لرأي صديقي العزيز قيس عجرش، أعتقد ان واجب الكاتب هو ان لا يجعل القارىء "تحت الضغط العالي". يعني فوق الحمل تعلاوة. حرام. الرحمة والشفقة والسماحة واللطافة والطرافة مطلوبة. ولكن هذه الوجبات نادرة في المطعم العراقي. هذه هي المشكلة، أو "الإشكالية"على رأي صديقنا خضير ميري. تدخل المطعم وتسأل عن المتوفر، أو تبحث في "المنيو" ولكن ليس عن جديد وانما عن براهين على صحة عقيدتك، وهي التمن والمرق. والسياسة هي تمن ومرق العراق منذ حلت عليه اللعنة.والمؤرخون يختلفون في تحديد وقت نزول اللعنة. ولكن البشرية اليهودية المسيحية تعيدها الى زمن بناء برج بابل. عندما حاولوا الوصول من خلال ذلك البرج الى السماء، حيث منزل الالهة، فعاقبتهم الآلهة على ذلك التجرؤ بأن جعلت ألسنتهم لغات شتى، بعدما كانوا يتكلمون لغة واحدة، فلم يعد أحدهم يفهم ماذا يقول الآخر.ولكن "الفوضى"، وإن تكن بدأت معنا حسب الاسطورة، وعادت الينا اليوم حسب واقع الصورة، لم تترك مكانا للبشر دون أن تزوره في هذا الوقت أو ذاك. فهذا ابو العلاء المعري يقول: "وأيامنا عيسٌ وليس أَزِمَةٌ/ عليها وخيلٌ أغفلتها الشكائم". هذا عن زمنه. ثم يمد رؤيا الفوضى على طول الزمن حين يقول: "يكفيك شراً من الدنيا ومنقصةً / ألا يبين لك الهادي من الهاذي". ولعل هذا هو واقع حالنا في هذه "المرحلة الانتقالية". ولكن إصابة الفوضى أو الضياع قد تكون أصيلة ودائمة في الانسان. وهذا هو رأي هرمن هيسه على أي حال:"ما أعجب السير في الضباب!الحياة وحدة.فليس هناك انسان يعرف الآخر.كل انسان وحيد".لا. اذا كان هذا ما انتهيت اليه فأنا عائد غدا الى السياسة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram