علي حسين ضحكت كثيرا وأنا اقرأ ما قاله الوزير السابق والنائب الحالي باقر جبر الزبيدي من انه المنقذ الوحيد الذي سينتشل البلاد من كل أزماتها. ففي حوار مثير مع صحيفة العرب اليوم الأردنية قال الزبيدي: "كنت ومازلت وسأبقى اعتقد أنني الأقدر على إدارة الدولة وحل كل مشاكلها، لكنني لن اسعي وراء المنصب"، ولم يتركنا السيد النائب نحل لغز عدم سعيه للمنصب وهو الذي حصل على ثلاث وزارات متتالية "الإسكان" و"الداخلية" وأخيراً "المالية"
فقد بيّن لنا الأمر بأن هذه المناصب كانت وما تزال مجرد "تكليف" تيمّنا بصاحب نظرية التكليف خضير الخزاعي الذي اخبرنا ذات ليلة مقمرة أن سعيه لمنصب نائب رئيس الجمهورية لا علاقة له بالمحاصصة، ولا بتوزيع المناصب وإنما هو يصرّ على تولي المنصب لأن ذلك تكليف شرعي.سنحاول أن نكون طيبين وساذجين ونصدق أن بعض المناصب إنما هي هبة ينعم بها المسؤولون، وعلى العراقيين الحمد والشكر على هذه النعمة، وسنكون أكثر سذاجة ونصدق أن السعي للمنصب عند بعض السادة المسؤولين هو خدمة وطنية أكثر مما هو منفعة شخصية، وسنكون أكثر سذاجة ونؤمن بان بعض المسؤولين السابقين ممن يطمحون لمناصب اليوم لم يهدروا المال العام بمشاريع وهمية ولم يفتحوا باب وزاراتهم للأقارب والأحباب، ولم يغتنوا، وان عصرهم كان يمثل مرحلة ازدهار للدولة العراقية، وعليه فأن اختيارهم من جديد إنما هو تقدير ومكافأة لما قدموه لهذا البلد من خدمات جليلة.الزبيدي وهو يتحدث للصحيفة الأردنية لم ينس ان يحذرنا من مخاطر غياب بشار الاسد، ومن الفوضى التي ستعمّ العراق، وذهب ابعد من ذلك حين قال: "إذا سقط النظام السوري فان المعارك ستكون على أسوار بغداد"، للأسف كلما توحشت آلة القتل ضد الشعب السوري، سمعنا عددا من السياسيين يقولون بثقة يحسدون عليها: سقوط نظام الأسد سيفجر الأوضاع في العراق. هذه الأفكار ومثيلاتها تتكرر كثيرا هذه الأيام، وهي ليست مقصورة على شلة السياسيين، بل أخذنا نسمعها من بعض البسطاء لدرجة يريد لها البعض أن تتحول إلى حقائق دامغة.اعتقد وكما يعتقد معي الكثيرون أن زمن "السياسي الخارق" قد ولى والى غير رجعة.. وان من يعتقد أن البلدان لن ينقذها الا رجل واحد، فهو حتما يعيش نظرية "القائد المنقذ" التي يروج لها العديد من الساسة هذه الأيام.. فيما الشعوب الحية لا تؤمن بنظرية الرجل الخارق لأنها تبني مؤسساتها على المشاركة الفاعلة لكل الطاقات والكفاءات بلا تميز طائفي أو حزبي او سياسي، نظرية الرجال القلائل الذين وحدهم يعرفون مصلحة البلاد، نظرية لن تنتج نظاما سياسيا معافى، وإنما نظاما دكتاتوريا بلا مؤسسات للدولة.. نظام يجلس على رأسه رجال يمتصون خيرات البلاد ويمارسون شتى أنواع الاستبداد والفساد.تخبرنا تجارب الشعوب بان أكثر من عشرة رؤساء تغيروا في أمريكا منذ منتصف القرن الماضي، وتقلبت فرنسا من الديغولية إلى الاشتراكية إلى الوسطية أكثر من مرة، وخرج من الحكم زعماء في حجم مانديلا ومهاتير محمد ونهرو ولم تتأثر حياة الناس ولم تُصَبْ بلدانهم بالتصحر والجفاف. يكتب أيزنهاور في رده على رسالة وجهها طالب أمريكي يسأله عن معنى الزعامة بالقول "عندما تتألف أمريكا من زعيم واحد ومئة وأربعين مليون تابع فإنها لا تعود أمريكا، حربنا الأخيرة لم يربحها رجل واحد بل ربحها الملايين من الرجال والنساء وفي السلم يقود زمام هذا البلد أيضا ملايين الرجال والنساء " من المعيب في حق العرقيين وتضحياتهم ان يحاول البعض إحياء فكرة الدولة التي لا تعيش إلا بـ"رجل خارق" يعرف مصالحها وأسرار تشغيل ماكناتها. كلما تصورت أن باقر الزبيدي يعتقد نفسه أنه الرجل الخارق وان مهمته انقاذ البلاد من محنتها. اضحك.. واضحك اكثر عندما استمع الى احاديث تحذرنا من الكارثة لو اننا رفضنا ان نعيش عصر "القائد المنقذ". ساسة يتوهمون أنهم يقودون دولة فيما الوقائع تؤكد أنهم يريدون ان نعيش عصر الفوضى كاملة المواصفات. أين هي مواصفات الدولة الناجحة التي يبشرون الناس بها..؟ ما الذي استطاع ان يقدمه النائب الزبيدي للبلاد خلال ثلاث حقب وزارية..؟ لا نريد ان نقلب دفاتر الماضي، ولكن الناس تريد ان تصبح شريكة في صناعة مستقبل البلاد، لا تريد ان تصبح اسيرة لنظرية باقر الزبيدي الخارقة. لأن الواقع يقول ان معظم سياسيينا ومسؤولينا لا يصلحون حتى لأدوار كومبارس في أفشل مسلسل رمضاني.
العمود الثامن:نظرية "الرجل الخارق"
نشر في: 14 أغسطس, 2012: 10:37 م