علي حسينلم أكن أعلم أن الناطق الرسمي للحكومة علي الدباغ، كارها للجمود ومحبا للتغيير، فالرجل اكتشف ولو متأخرا ان سيادته خبير في الاقتصاد فاكتشف أن العطل مهما كثرت فهي تصب في مصلحة الاقتصاد العراقي الذي يشهد أزهى عصور تطوره، هكذا قال في تصريح نشر امس ان: "عطلة العيد التي اقرها مجلس الوزراء لن تؤثر على الوضع الاقتصادي في العراق، مبينا ان قانون العطل الرسمية سيمنح العراقيين 150 يوما من العطل الرسمية".
جميل أن يلعب علي الدباغ دور الخبير الاقتصادي،، بنفس الطريقة التي لعب بها أدواره الشهيرة الاخرى خبيراً في شؤون كرة القدم، فالرجل كانت له صولات وجولات فيما يتعلق بالرياضة دفعت اللجنة الاولمبية الدولية إلى أن تجمد نشاطات العراق الرياضية، وقبل هذا كان الدباغ خبيرا في مجال الاتصالات، ولان الرجل معروف بانه صاحب سبع صنائع فهو لم يضيع فرصة واحدة ليمسك ثلاث تفاحات او اكثر بقبضة يد واحدة، فمن خبرته في مجال الاعلام ومرورا باسهاماته في مجال البحث الاجتماعي، ومنافسته لمانديلا في طروحات حقوق الانسان ونظرية التسامح، طبعا وراء كل هذه الصنائع المتعددة والمتشابكة تقف شهادة دكتوراه حصل عليها الرجل عن طريق الانترنيت. طبعا وأنا اقرأ تصريح علي الدباغ عن العطل الرسمية، كنت أتصور أن الأمر مجرد نكتة أو ان الرجل يسعى في هذا الجو السياسي المأزوم الى ترطيب الاجواء وكسر الملل، غير أنه بات من الواضح أن منطق الجهل والخرافة سيستمر يحكمنا بفضل جهود كتيبة من السياسيين لا تفرق بين الالف والياء.إذن كل خبراء الاقتصاد يقولون ان العطل تكلف ميزانية الدولة مئات الملايين من الدولارات، ولدينا "دكتور الانترنيت" يجزم بأن من يقول ذلك لا يفهم شيئا، السؤال هو: كيف يمكن لنا حل هذا اللغز؟. لا جواب طبعاً لأننا لم نبرح بعد منطق العجزة، ولأننا نقول للناس إن بذل العمل والانتاج لا يكفيان لديمومة الحياة، ولأن مسؤولاً كبيراً خرج يطمئننا ان امكثوا في بيوتكم، فهذا زمن الراحة والاستجمام، ومن ثم فان التفكير في العمل منتهى العبث ومبتدأ انهيار البلاد وتخلفها. وسواء كان الدباغ يدري او ربما لا يدري، فانه في تصريح هذا يفتح الباب لخروج التخطيط وقيمة العمل من حياتنا، ودخول الاتكالية والبطالة المقنعة في مرحلة حرجة نعاني من تفشي الفساد والرشوة وسرقة المال العام.ولو مددنا الخيط إلى آخره تأسيسا على منطق علي الدباغ هذا فإننا داخلون لا محالة إلى مرحلة من الاستسلام التام لما يريده السياسيون، وربما تطورت هذه الحالة من كرة القدم إلى مجالات أخرى أخطر في حياتنا.. ليس من بينها السياسة بالطبع لأننا في هذا المضمار ودعنا العقل والمنطق منذ زمن بعيد، وباتت مصائرنا مرهونة بخطب نارية يتناوب عليها محمد الصيهود وصالح المطلك. سيقول البعض وما المفاجأة في تصريح الدباغ؟.. فنحن من سنوات وبفضل مجموعة منتخبة ومختارة من الساسة الأشاوس ودعنا المنطق والمعرفة والعلم وقررنا ان نستقيل من التاريخ والسياسة ونجلس جميعا في مقاعد المتفرجين ولأننا لا نعرف من هو السيناريست الذي يتحكم في السياسة العراقية ويصوغ لها هذه المواقف الكوميدية والمشاهد المتقاطعة، فإننا ندرك جيدا أن هناك سيناريوا لو وضعت تفاصيله متجاورة نستطيع ان نجيب على سؤال يحير العراقيين وهو: الى أين نسير؟ من يقرأ تصريحات الدباغ سيضرب كفا بكف على هذه القدرة العجيبة على خداع الذات قبل الآخرين، على نحو يتطلب من علماء النفس في العالم كله التداعي لإخضاع هذه العقول العظيمة التي تطلق نكاتها يمينا وشمالا للبحث والتشريح العلمي. وأتصور ــ لو قررنا إلغاء العقل والمنطق ــ فان دول العالم ستتسابق الآن للبحث عن السيد الدباغ حتى يتسنى لها اللحاق بخبرات العراق الاقتصادية التي شهدت تطورا ملحوظا بفضل خبراء الحكومة. ولو تركنا الخيال يعمل قليلا لتصورنا هجمة شرسة من صندوق النقد الدولي والفيدرالي الأمريكي والخبراء في منطقة اليورو لبدء مفاوضات مكثفة مع الحكومة لإقناعها بتبادل الناطقين، بحيث يصبح الدباغ ناطقا لهم ، بعد أن تدفع لنا أوروبا وأمريكا الفرق وبالجنيه الاسترليني حصراً.
العمود الثامن: الدباغ بين يوم.. ويوم
نشر في: 15 أغسطس, 2012: 09:52 م