اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > ربيع القمع العربي

ربيع القمع العربي

نشر في: 17 أغسطس, 2012: 05:30 م

علي حسين عبيدكتبنا كثيراً عن الربيع العربي، وفرحنا به وبنتائجه الأولية أيما فرح وأيما حبور، حيث فرَّ هاربا دكتاتور تونس وضاقت عليه الأرض بما وسعت، وتجندل حسني مصر من عرشه العتيد العالي، فيما عُثِرَ على الدكتاتور معمر القذافي مختبئا في مجاري مدينة سرت مسقط رأسه وقُتل شر قتلة، وأطيح باليمني علي عبد الله صالح وأجريت انتخابات رئاسية شعبية مقبولة، وتواصل المد المنتفض إلى معظم ربوع العرب، بل والى الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية.
كانت الاحداث الدراماتيكية التي بدأت بإشعال بو عزيزي جسده، محط دهشة وإعجاب العالم أجمع، وتم وصف المرحلة بتسميات عدة، كلها تنتمي إلى التحرر، وتؤكد انتهاء عصر التسلط والاستبداد والقمع، وأشهر التسميات وأكثرها رسوخا وثباتا تسمية (الربيع العربي)، فهل كانت المرحلة ربيعا عربيا للحرية، ولعهد جديد خال من القهر السياسي والحقوقي، أم هي بداية لمرحلة أخرى، تليق بها وتتناسب معها تسمية (ربيع القمع العربي)؟ لإلقاء نظرة حيادية متفحصة على ما جرى، بعد الفورة الأولى لما سمّيَ بالربيع العربي، لابد أن نؤشر الإفرازات البيّنة التي تؤكد (بما لا يقبل الشك) انحراف قطار الربيع العربي من سكة الحرية، إلى سكة القمع والتكميم وكبت الحريات، مع صعود بعض القيادات الإسلامية (وبعضها متشددة) إلى السلطة عبر انتخابات، لم تعكس الإرادة الحقيقية لشعوب الدول التي جرت فيها الانتخابات، إذ لا تزال حالة الإرباك والفوضى والعشوائية، تسيطر على نبض الشارع بل نبض الحياة كلها، فشعوب مصر وتونس واليمن وسواها، لا تزال تعيش صدمة ما حدث، ولا تزال أيضا تعاني   القهر الدكتاتوري للأنظمة المطاح بها، ومن المؤكد أنها - حين أُجريت الانتخابات- كانت لا تزال تحت ضغط ردة الفعل للقمع الماضي، لذا وجدت نفسها مجبرة أمام خيار واحد، هو خيار الأحزاب الإسلامية، فصعدت إلى الحكم جماعات سياسية إسلامية متشددة، لم تجرب إدارة السلطة السياسية سابقا، ولا تعترف بآراء غيرها، وتشعر بأن فرصتها في استثمار السلطة ومزاياها إلى أقصى ما يمكن قد سنحت لها الآن، لذا بدأت أولى خطواتها باتخاذ وتطبيق منهج تعطيل الحريات والرأي ومحاصرة الصوت الآخر، وتشريع ما يلزم من الخطوات التي تؤدي إلى محاصرة بل وقتل الدولة المدنية تماما، وفرض الحكومة الإسلامية ذات الاتجاه التقليدي الأحادي الذي لا يعترف بغيره من الآراء والأفكار والمبادئ والخيارات.توضّح هذا بصورة جلية في مصر، حين بدأ رئيسها باتخاذ بعض الخطوات التي تستهين بالقضاء من خلال إلغاء قرار المحكمة الدستورية، التي حلّت مجلس الشعب، ليعيده الرئيس إلى العمل، متحديا بذلك سلطة الدستور في أولى الخطوات اللادستورية التي يقدم عليها، لتتوالى بعد ذلك سلسلة من الإجراءات التي تحاصر الأفكار الأخرى، والفن والمنظمات الثقافية، وكل ما يمت بصلة إلى الدولة المدنية، يحدث الشيء نفسه في تونس على مستوى اقل وضوحا، وفي اليمن أيضا، فيما يبدو الحال مع العراق أكثر وضوحا، لاسيما بعد قرار تكبيل البرلمان بسلطة دينية عليا، تدل على خطوة قاتلة للدولة المدنية العراقية.إن ما يحدث في العراق في مجال محاصرة الدولة المدنية وإعاقة مؤسساتها، يبدو واضحا لمن يترقبه بعمق ودقة، حيث يجري كل شيء بهدوء ودونما ضجة، وفق نظام (النار الهادئة) التي لا تثير لغط أو مخاوف المعنيين، لكنها في الوقت نفسه تقوم بمهام الحرائق الكبيرة مع مرور الزمن، فيصبح حلم إقامة الدولة المدنية مستحيلا، مع الإجراءات التي تتخذها جماعات وقيادات سياسية (إسلامية الاسم)، تهدف إلى تحويل العراق إلى دولة أحادية يقودها نظام قمعي مستبد.   وكما هو متفق عليه، أن الكوارث الخطرة والكبيرة والمدمرة، دائما تبدأ بخطوة متناهية الصغر، فيغفلها المعنيون والمراقبون، أو يتغاضون عنها، لعدم خطورتها، ولكنها ما تلبث أن تكبر وتنمو وتتصاعد حتى تصبح بمثابة الكارثة، وهذا ما يحدث الآن في مصر في ظل حكومة الإخوان المسلمين، حيث بدأت حملة القمع والتكميم ومحاصرة الحريات بصورة لا تقبل الدحض، معلنة بذلك بداية جديدة وخطرة، لمرحلة مخيّبة للآمال ومخيفة أيضا، يمكن تسميتها دونما تردد بـ مرحلة (ربيع القمع العربي).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram