ترجمة: عباس المفرجيالعديد من أفضل كتب السيرة التي صدرت العام الماضي بلغت مواضيعها من موقف شخصي. ماثيو هوليس، على سبيل المثال، قصَرَ نفسه على السنوات الأربع الأخيرة من حياة الشاعر ادوارد توماس.
يتابع كتاب " الآن كل الطرق تؤدي إلى فرنسا " ( دار فابر للنشر ) توماس وهو يحزم حقيبته الخشبية راحلا صوب آرّاس، حاملا معه موهبته الشعرية المجسّدة في وقت متأخر، بعد أن قضى العقد السابق من السنين كاتب نثر مأجوراً. الإنجاز الكبير الذي حققه هوليس هو استخدامه الشكل الغريب لحياة توماس الشعرية كطريقة لاستكشاف حالة الشعر البريطاني عشية الحرب العظمى، التي توازن بين الشعر الغنائي الجورجي والحداثة المتصلبة. إنه يُظهِر بشكل احتفالي كيف أن السيرة، بعيدا عن كونها من الجنس الفضفاض أو المحتضر، يمكن أن تكون أداة حادة للنقد الأدبي.كتاب آن روس " أورفيوس: أغنية الحياة " ( دار جوناثان كيب )، يتابع، في هذه الأثناء، موضوعه الأسطوري عبْر كل طبقة ثقافية ممكن تخيّلها : الفن، الأسطورة، الشعر، السينما والموسيقى، من القرن السادس قبل الميلاد حتى الآن. روس هي اليوم واحدة من أكثر كتّاب السيرة إثارة للاهتمام، فهي دائما ترفض السهل والواضح لصالح الذي يصعب الإمساك به والغريب بلا ريب. اقرأوا " أورفيوس " لخزينه المعرفي، لوثباته وقفزاته في المخيلة، وقبل كل شيء، للنثر الغنائي لروس.لا أقل منه تأثيرا هو كتاب كارولين مورهيد " قطار في الشتاء " ( دار تشاتو ). نقّبت مورهيد في الأرشيف الفرنسي للكشف عن قصة 231 امرأة، كنّ كلهن أعضاء في المقاومة، زجّ بهن في معسكر اوشفيتز في عام 1943. أهلكن الواحدة بعد الأخرى، وقعن فريسة البرد، الجوع والوحشية النازية. 49 منهن فقط خرجن وهنّ على قيد الحياة. تروي مورهيد قصتها المروّعة بنثر موزون، يثير في القارئ شعورا متناميا بالتساؤل إن كان مثل تلك البطولة ممكنة.كتاب سيرة آخر، أدى مهمة رائعة بروايته قصة مجهولة أو بعيدة الاحتمال، هو " منفيو الحرية " ( دار هاربر برس ) لماري جاسانوف. تذكّرنا المؤلفة فيه بأن لا أقل من ستين ألف أمريكي قرروا البقاء على ولائهم للتاج البريطاني أثناء الثورة. حين غادر في النهاية ذوو المعاطف الحمر، لم يكن لدى هؤلاء الشجعان خيارا سوى حزم أمتعتهم أيضا. هذا الكتاب هو أفضل نوع من الدراسة المنقّحة، التي تمنحنا طريقة جديدة بالتفكير حول موضوع كنا نعتقد أننا عرفناه في الماضي.موضوع سيري آخر بعيد الاحتمال، سُلّطت عليه الأضواء في العام الماضي، كان عن سيمون فيليبس نورتن، الرياضي الأعجوبة الذي كفّ عن ممارسة مهنته الأكاديمية في سن الثلاثين وكرّس نفسه، بدلا من ذلك، لدراسة جدول مواعيد الاوتوبوس الريفي. يروي ألكسندر ماسترز قصته على نحو جيّاش في " العبقري الذي في قبوي " ( دار فورث استيت ). يشير العنوان إلى واقع أن نورتن كان يختبئ، ابتغاء متابعة أبحاثه، في الطابق تحت الأرضي في مسكن ماسترز في كامبردج. كان ماسترز قد نال نجاحا كبيرا في كتابه الأول " ستيوارت : حياة في الماضي "، هذا يعني أنه واجه إلى حد بعيد ظاهرة ’’ العمل الثاني الصعب ‘‘، لكنه ارتقى، في الواقع، إلى مستوى التحدي وبتألق، منتجا كتاباً هو ليس فقط وصفا رقيقا ممتعا لرجل غريب الأطوار على نحو مذهل، بل هو بالإضافة إلى ذلك يعلّم القارئ شيئا حول الرياضيات الصعبة.لمجرد إثبات أن سيرة من المهد إلى اللحد الكلاسيكية مازال لها مكان في المشهد المشتت لقراءاتنا، يظهر كتاب كلير تومالين " تشارلز ديكنز " ( دار بنغوين ) عن الحياة المدهشة لهذا الكاتب. ما أصابته تومالين من نجاح في سيَرها السابقة – عن الرجال – هو في الإدراك العاطفي الدقيق، الذي تعيده هنا في روايتها عن الحياة المتناقضة لديكنز. هنا، هو رجل كتب على نحو متصل عن متع ودفء الحياة العائلية، مع ذلك، في منتصف العمر، لم يأل جهدا في تحطيم أسرته هو نفسه. قبل عشرين عاما، كتبت تومالين كتابا جيدا على نحو استثنائي عن نيللي تيرنان، الممثلة الشابة التي من أجلها تخلى ديكنز عن زوجته بطريقة مهينة جدا، بحيث من المؤلم، حتى الآن، القراءة عنهم. هذه المرة، بتناولها لوحة أوسع، استطاعت تومالين أن تستكشف كم كان لقسوة ديكنز، وتقلّبه في منتصف العمر، من جذور في الفوضى المرعبة لطفولته.كتاب فيونا ماكارثي " ماقبل الرفائيلية الأخيرة: إدوارد بورن- جونز والمخيلة الفكتورية " ( دار فابر ) هو مثال دقيق آخر عن سيرة حياة كُتبت بمجملها بأسلوب كلاسيكي. فيها، تضع ماكارثي كل ثقافتها وبلاغتها وتعاطفها العميق لتواكب سيرة الفنان الذي مثّل في عمله عالم الأحلام الغريب في الرسم في نهاية القرن 19. سيرة حياة الفنانين صارت أقل ضآلة من رسومهم في السنوات الأخيرة. لكن دار فابر جعلت ماكارثي فخورة، والنتيجة هي سيَر حياة أكثر براعة ستقرأها الآن.عن صحيفة الغارديان
قصة الحياة التقليدية، كان لها شيء من تحوّلاتها
نشر في: 24 أغسطس, 2012: 06:47 م