TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس :جوليان أسانج

قرطاس :جوليان أسانج

نشر في: 25 أغسطس, 2012: 07:00 م

 أحمد عبد الحسين أمر مخزٍ ويدعو للشعور بالعار أن يطارد جوليان أسانج صاحب موقع ويكليكس الشهير، ويضيّق عليه، ولا يسمح له بمغادرة بريطانيا إلى الإكوادور التي منحته اللجوء السياسيّ. مخزٍ لبريطانيا ولأميركا وللسويد ولكل الدول التي تحكمها نظم ديمقراطية حقيقية ومع ذلك لم تحتمل جرأة وثورية هذا العصاميّ الذي أراد قلب آلية العمل الإعلاميّ رأساً على عقب، ونجح.
نشر أسانج "عمره أربعون سنة" في موقعه وخلال أشهر عدة فقط، بمساعدة خمسة صحفيين لا أكثر، مليون وثيقة سرية، أي أكثر بكثير مما نشرته الصحافة في كل العالم خلال قرون، منذ تأسيس الصحافة وإلى اليوم.عمل جبار كهذا كان له أن يغيّر شكل ومضمون الإعلام في العالم، وأن يجعل من الصحافة لا سلطة رابعة كما يشاع بل يضعها في موقع جديد مبتكر، يصنع منها سيفاً مسلطاً على رقاب الساسة الذين سيبطل سحرهم مع افتضاح سرهم. أسانج هو الذي كشف ونشر الفيلم الذي يظهر فيه جنود أميركان وهم يقتلون عراقيين أبرياء في مدينة الصدر بدم بارد.أسرار السياسة وتجار الحروب مهددة بالانكشاف في عصر أسانج، العصر الذي تريد أميركا أن تنهيه بالضغط على بريطانيا لطرد هذا العبقريّ إلى السويد التي تريد تسليمه لأميركا، حيث من الممكن أن يواجه الإعدام على كرسيّ كهربائيّ بتهمة "التجسس لنشره برقيات دبلوماسية حساسة تمس الأمن الأميركي".أهي الحرب التقليدية بين الحرية والمهنية؟ ربما لكنها هذه المرة سافرة دون قناع، حيث "المهنية" في أيدي أناس متنفذين يستخدمونها سلاحاً للتستر على انحطاطهم، والحرية مطلوب رأسها من قبل من يرفعها شعاراً ضدّ من يمارسها.وهي ذاتها الحرب الألفية بين أصحاب "القانون" والمهيمنين عليه، ضدّ أطفال وقفوا أمام إمبراطور عارٍ فالتقطوا صورة لعورته، فأسانج ألصقت به تهم "التحرش الجنسيّ" و"الاغتصاب" وتهم أخلاقية كهذه من شأنها أن تؤلب عليه عامة الناس الذين يريد أسانج أن يفتح أعينهم ويريهم الوحش الذي يلبس ثياب بشر. تهم أخلاقية تحمل صبغة غربية، وإلا لو كان أسانج عراقياً لألصقت به تهمة الانتماء للبعث المباد ولاجتث اجتثاثاً من على وجه الأرض.لن تنتهي هذه الحرب بين من يملكون القانون ويحكمون باسمه ويحركونه بمرونة كيفما شاءوا حسب مصالحهم الضيقة، وبين من يريد أن تكون له فضيلة كشف اللطخة السوداء في ثياب الملاك، وتبيان مقدار الظلم حتى في أنظمة العدالة. لن يتوقف الصراع بين من يتباكون على "المهنية الإعلامية" ما دامت تنتج مواطنين صامتين مؤدبين لا يهشون ولا ينشون، وبين أولئك الأحرار الذين آمنوا مع غونتر غراس بأن "المواطن الجيد هو من يبقي فمه مفتوحاً".إذا كان للإعلاميين الثوار اليوم في كل أنحاء العالم من مرجع فهو أسانج، وإذا كانت لهم قبلة يتوجهون إليها ومثال يقتدون به فهو موقع ويكليكس.الحرية لمن يصنعها. الحرية لجوليان أسانج، والخزي لمالكي "القانون" و"المهنية"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram