عدنان حسينلم يتراجع رئيس الوزراء عما صرّح به منذ بضعة أسابيع بان الإرهاب قد هُزم ولم يبق له في البلاد سوى جيوب صغيرة هنا وهناك. ولم يتراجع أيضاً القادة الأمنيون الذين رددوا بعده الرأي نفسه. ومعنى هذا انهم متمسكون بما قالوا، فشكرا أيها السادة .. يعطيكم ألف عافية وأثابكم الله خيراً عن صنيعكم.
لنفترض جدلاً ان ذلك صحيح برغم السلسلة المتواصلة من الهجمات الإرهابية الدموية. هذا سيُرتب على حكومة السيد نوري المالكي بعدما انتهت من التحدي الأكبر الذي واجهته وواجهه المجتمع بأسره طوال السنوات الماضية، الإرهاب، أن تتفرغ الآن لمواجهة التحدي الأكبر التالي من حيث الأهمية والخطورة. ولا يوجد أكثر خطورة على دولتنا ومجتمعنا ومستقبلنا من الفساد المالي والإداري الذي يقرّ الجميع بانه متفشٍ في كل مفاصل الدولة وحواشيها. ولا يشذّ عن هذا الإقرار الا الحكومة نفسها وبالأخص المتنفذون فيها، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، الذين يهوّنون كثيراً من مستوى الفساد ويقللون من مخاطره، ويعتبرون ان الأمر برمته "مبالغات" سياسية وإعلامية!اذا كانت هذه الحكومة قد قصمت فعلاً ظهر الإرهاب فإنها مطالبة الآن بأداء مماثل في ساحة الفساد، ذلك ان النجاح التام في هزيمة الإرهاب سيعتمد بدرجة كبيرة على مكافحة الفساد المالي والاداري، فهذا الميدان هو بيئة مثالية للغاية للإرهاب، ونحن نعرف ان الاجهزة الأمنية تحفل بالضباط الفاسدين الذين تمرّ عبرهم الاختراقات الأمنية من قبل عصابات الارهاب والجريمة المنظمة.أمس نُشر تصريح للنائب عن كتلة المواطن عزيز العكيلي أكد فيه ارتفاع نسبة الفساد الاداري والمالي واستشرائه في جميع مؤسسات الدولة وارتفاع مستوى الفساد حتى في أجهزة الرقابة، عازياً ذلك الى ضعف الإدارة الجديدة لهيئة النزاهة وارتباط المفتشين العامين بالوزارات وبقائهم تحت سلطة الوزراء. ونائب مثل السيد العكيلي لا ينطق عن الهوى، فهو يعرف بحكم منصبه النيابي وموقعه في لجنة النزاهة البرلمانية، ولا يمكن اتهامه بالكيدية لانتمائه الى الائتلاف البرلماني الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء، التحالف الوطني.في المجالس الخاصة للسياسيين، بما فيها مجالس أعضاء في التحالف الوطني، يتردد القول دائماً بان رئيس الوزراء والطاقم المحيط به ليس لهم مصلحة في مكافحة الفساد، فهذا الملف مستخدم من قبلهم لأغراض سياسية، فضلاً عما يرتبط به البعض منهم مع رجال أعمال كبار يدفعون أموالاً طائلة لقاء التسهيلات التي يتلقونها للاستحواذ على مقاولات وصفقات كبيرة.الإرهاب لم يهزم بعد .. هذا أمر مؤكد، وسيحتاج الأمر الى وقت غير قصير لتحقيق هذا الهدف، وواحدة من أهم الخطوات لإنجاز هذا ان يُكافح الفساد المالي والإداري بصورة جدية وليس بالصورة التي جرت بها حتى الآن، فلقد مرّ أكثر من اربع سنوات منذ أن اعلن رئيس الوزراء الحملة الوطنية لمكافحة الفساد (حددت لها فترة خمس سنوات)، وها نحن نرى ان الفساد المالي والاداري هو الان أوسع نطاقاً وأعمق غوراً مما كان عليه قبل بدء الحملة وان الفاسدين باتوا أكثر شراسة وعدوانية وصلافة مما كانوا عليه من قبل .. لأنهم مدعومون من أعلى المستويات.
شناشيل: الفساد يتقدم!
نشر في: 25 أغسطس, 2012: 09:13 م