TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: احلام البصرة ايطالية

عالم آخر: احلام البصرة ايطالية

نشر في: 25 أغسطس, 2012: 09:28 م

 سرمد الطائيالمليار دولار التي صارت تحصل عليها البصرة منذ عامين بدأت تظهر على وجه المدينة بخجل، وحين اتيح لي التواجد حتى الفجر ليلة العيد عند كورنيشها، حدقت طويلا في مشهد الاف الشباب وهم يثيرون سخط اكثر من طرف ويفرحون اكثر من طرف، باصرارهم على الغناء حتى الفجر، واداء الرقصات الشعبية وايقاعات الخشابة.
كانوا يأتون على شكل حلقات تحاول انتزاع السعادة من قلب يأس عراقي عميق، بعضهم بعمري لم يكتف بالنقر على الدف والغناء بل جاؤوا بمكبر صوت متنقل واخذوا ينشرون بحماس وربما بغضب، كلمات اغنية قديمة على طول الشط وعرضه... "يا للي نسيتونا يمتة تذكرونا".ليس في وسعك ان تقول ان المدينة نموذج لفشل خالص، او يأس مطلق، فالمال يتحرك وهناك ورشة عمل كبيرة تجدها في اكثر من مكان وقد يتغير وجه المدينة كثيرا او قليلا في غضون ثلاثة اعوام، لكن الجمهور ينسحق تحت عجلات الحكومة البطيئة. وكل مشروع يشجعك على الفرح توجد الى جانبه الف مناسبة للحزن الشديد.قرب الجسر الجديد الذي شيدته الحكومة مؤخرا يعرب الناس عن سعادتهم، لكن احدهم يشعر بالاهانة. يقول انه كان جنديا دخل المحمرة قبل ٣٠ عاما ورأى كيف تم محو المدينة من الخارطة بالدبابات، لكنه زارها عام ٢٠٠٣ ولاحظ كيف ان الايرانيين نجحوا في خلق مدينة كبيرة وحديثة من العدم تقريبا، وخلال فترة وجيزة من عام ١٩٩١ حتى ٢٠٠٣. مرت عشرة اعوام على العراق وهو ينفق المليارات ولم نحصل على ربع الاعمار الذي شاهده اهل البصرة في المحمرة، "وبقينا بعيدين عن اللحاق حتى بإيران فما بالك باليونان" كما يردد محدثي. فرحة الناس بالجسر تحبطها ادارة الحكومة السيئة لملف الامن. وجدت الشيخ يوسف يعقوب العرزال مع جمهرة من وجهاء التنومة واقفين بغضب عند رأس الجسر مستعدين للتظاهر. ما الحكاية؟ اخبروني بأن السلطان ينغص فرحهم بالجسر الوحيد، فنصف مليون نسمة تتعطل حياتهم حين يقطع الجسر، مرة لان صالح المطلك حل ضيفا على فندق شيراتون القريب، ومرة لان نوري المالكي زار حلفاءه في المحافظة، واخرى بسبب خطة العيد الامنية. الحكومة تسمع احتجاج الناس وتمضي دون اكتراث. وهل لصراخنا جدوى؟ هكذا يسألك اهل البصرة العالقين بين امل بحجم مدينتهم الثرية، ويأس يشبه وجوها كالحة لمبددي المال العام واصحاب الخطط الامنية المخرومة.تشعر بالسعادة حين ترى الرافعات العملاقة تحاول الانتهاء من المدينة الرياضية، وتشعر بالسعادة حين ترى جسرا معقولا يمكنه احياء الضفة الاخرى من البصرة، ثم تشعر بيأس يتجدد عند رؤية اشجار زرعها المحافظ السابق محمد مصبح الوائلي قبل ٤ اعوام، ومنحها اشكالا هندسية حديثة، وقد تعاون الطقس والاهمال على النيل من جزء كبير منها اليوم، وجعله يذبل ويذوي ويفقد رونقه السابق.تشعر بحزن عميق ايضا في ارض التمر والبترول والتاريخ والتجارة البحرية، وانت تفتح ماء الاسالة لتغسل وجهك في العشار، فيلفحك ماء البحر المالح الذي استولى على عذوبة شط العرب. الماء المالح خطيئتنا الكبرى مع البصرة، فهي المدينة الخليجية الوحيدة التي تضخ ١٠٠ مليار دولار في اقتصاد بلادها، و تغسل وجهها بالماء المالح.في المنزل يبدو والدي اكثر شطارة من حلفاء سلطاننا نوري المالكي. لقد اشترى جهازا صينيا لتحلية المياه بمائتي دولار وربطه بأنبوب الاسالة وعالج جزءا من مشكلة العائلة. اما سلطاننا المتحكم بثروة طائلة فقد ترك عائلته الكبيرة غائصة في ملح الخليج وفضلات البترول بلا رحمة.في البصرة مراكز تجارية عدة، والجديد جاء هذه المرة في منطقة بين العشار والمعقل، حيث هدموا نادي البهو العريق وراحت شركة يملكها رجل اعمال بصري تستثمر ١٦٠ مليون دولار لبناء مجمع خدمي مهم. برج بعشرين طابقا سيكون فندقا على شكل برج بيزا الايطالي المائل كما تقول الصور المعلقة على جدار المشروع. برج آخر مائل ايضا بعشر طوابق يحتوي على صالات اجتماعات ومركز لخدمة رجال الاعمال ومعارض وسينما. مول تجاري كبير ومسبح حديث...الخ. الجمهور اليائس من الحكومة فرحان بالقطاع الخاص ويعلق امالا على صرح عمراني يمكن ان يطلق صفارة التنمية في جنوب العراق المهمل، والجميع يأمل ان لا يعيق موظفو الحكومة "المعروفون بجدارتهم" مثل هذا المشروع. احدهم يعلق بالقول: شعرت بالخزي وانا ارى رجال اعمال اسيويين وقفوا في طابور طويل تحت شمسنا الحارقة وقتا طويلا لرؤية مسؤول يتفاوضون معه حول احلام الاستثمار بين النهر والبحر. كم فرصة مثل برج "بصرة تايمز سكوير" ضاعت في طابور طويل تحت الشمس او في قاعة انتظار بلا نهاية في مطارات العراق وعند مكاتب مسؤوليه؟ان الاحلام الايطالية في البصرة محاطة بمرارة كبيرة. سنتابع غدا المزيد من الحكايات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram