TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: "ثورية" مكيافلي

أحاديث شفوية: "ثورية" مكيافلي

نشر في: 25 أغسطس, 2012: 09:49 م

 احمد المهنالم يتعرض مفكر للتشويه على مدار التاريخ كما تعرض مكيافلي. وأسباب ذلك ستة عداً حسب الدكتور كمال مظهر أحمد في كتابه (مكيافلِّي والمكيافليون)، منها الكنيسة والمسرح الانكليزي. ويمكن أن نضيف اليها تشكيك البشر بكل جديد حسبما يقول مكيافلي نفسه في "الأمير"، لأن "الانسان لا يؤمن بالجديد الا بعد أن يختبره اختبارا علميا وحقيقيا". وقد جاءت لغته جديدة تماما جدة أفكاره.
وكانت مواقفه المتطرفة ضد الكنيسة سابقة في تاريخ اوروبا الفكري. فقد اعتبر انها، بالاضافة لفسادها، أكبر عقبة أمام وحدة ايطاليا. يقول:" إن أول ما ندين به نحن الايطاليين للكنيسة ورجالها هو اننا صرنا ملحدين ومنحرفين(..) وندين للكنيسة ورجالها بشيء أعظم، فهي التي جزأت ايطاليا ومازالت تحافظ على تجزئتها".وجاء رد الكنيسة في العام 1557 عندما أحرق الجزويت المتعصبون جميع مؤلفاته. وقررت محاكم التفتيش حرمان تداول تلك المؤلفات. أما المسرح الانكليزي، الذي يمكن مقارنة تأثيره يومذاك بالإعلام اليوم، فانه لم يقصر في تشويه سمعة الرجل، ففي عهد الملكة اليزابيث الاولى(1533 - 1603) وحدها هناك 395 اشارة سلبية اليه في الأدب الانكليزي ومنه مسرحية (نساء وندسر) لشكسبير. ومعظم هذه الاشارات جاءت دون الاطلاع المباشر على أعماله!ولكن يبقى ان هناك اساسا قويا ما كان وراء الحملة الرهيبة التي شنت عليه. انه الفصل غير المعهود الذي أقامه بين حقائق الحكم وبين الأخلاق عامة، والدينية خاصة، عندما شرع في تحليل "واقع" السياسة. انه يتوقف، مثلا، عند طاغية صقلية الذي عاصره، والتقى به، أغاثوكليس. ويتساءل: كيف استطاع هذا الطاغية وأمثاله العيش آمنين؟ يجيب:"أعتقد ان هذا ينشأ عن الاستغلال الجيد أو السيء للفظائع التي يرتكبونها. اذ يمكن القول ان اعمال الفظائع الجيدة (اذا جاز لنا أن نصف الشرير بأنه جيد) هي تلك التي ترتكب مرة واحدة من أجل أن يوفر الحاكم الأمن لنفسه، ثم لا يتمادى فيها بل يحل محلها اجراءات تعود بالنفع على الرعايا. أما الفظائع السيئة فهي تلك الأفعال التي تكون في بادىء الأمر قليلة، ولكنها تزيد مع الزمن ولا تنقص. وفي وسع اولئك الذين يتبعون الطريقة الأولى أن يصلحوا أوضاعهم مع الله ومع الانسان، تماما كما فعل اغاثوكليس. وليس في وسع الآخرين أبدا الحفاظ على أنفسهم وأوضاعهم".ولقد استخدمت الفظائع في جميع أمثلة بناء الممالك والامارات الجديدة في التاريخ، من النبي موسى الى الإمام يحيى. والرجل لم يفعل سوى تأكيد وقوعها، وتحديد الفاشل من الناجح فيها. مع ذلك فقد كانت هذه لغة ثورية، أو كما يقول المؤرخ الأميركي كافين رايلي "لغة جديدة سببت رعبا لقرائه الذين تربوا في ظل حضارة مسيحية تستند الى المطلقات الأخلاقية. فقد انقلبت القيم المسيحية رأسا على عقب. اذ كان شعاره هو انه من الأسلم أن تكون مرهوبا لا محبوبا، او الحذر من رحمة تقود الى فوضى، أو قلد الثعلب والأسد (..) وهذه العبارات هي علة شهرة مكيافلي باللاأخلاقية. ولكنه لم يكن لاأخلاقيا، وانما كان يحث الحكام على إدراك الطريقة التي يسلك بها الناس حقا وحسب، وأن يتصرفوا وفق مصالح الدولة". وقد كشف عن "أخلاق" معينة توجبها "مصالح الدولة"هذه. وهنا تتركز كل أهمية مكيافلي. وسيبقى ذلك الكشف مهما ًما بقيت السلطة مهمة في حياة البشر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram