TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > تحت المجهر: حياتنا.. وفن الاستجواب والمراوغة !!

تحت المجهر: حياتنا.. وفن الاستجواب والمراوغة !!

نشر في: 26 أغسطس, 2012: 07:10 م

 د. معتز محي عبد الحميدإن التحقيق الجنائي علم وفن، فهو فن يتمثل بكيفية إسقاط القواعد القانونية على الحالة الماثلة بين يدي المحقق , وهو بنفس الوقت علم يتمثل بضرورة الإلمام بالقواعد القانونية والمرجع القانوني والسند القانوني.
عندما يتولى المحقق أعمال التحقيق في اي جريمة بغض النظر عن جسامتها سواء كانت جناية أو جنحة , عليه ان يعلم جيدا التفاصيل الكاملة المرتبطة بذلك الجرم , ابتداءً من أركانه وأوصافه وانتهاء بالعقوبة المترتبة عليه ليتمكن من القيام بالإجراءات القانونية الصحيحة. ان تصرفات ضابط التحقيق محكومة بأحكام قانون اصول المحاكمات الجزائية  لذا نرى أن التحقيق علم وفن قائم بذاته وبنفس الوقت هو فن يحتاج إلى قدرات وبراعة تتمثل بكيفية قراءة الأحداث وربطها بالحقيقة، والتحقيق كمفهوم هو البحث عن الحقيقة والوصول إليها وهو إحقاق الحق فالحق أحق ان يتبع والحق قديم ولذا فالتحقيق وسيلة لا غاية, فهو وسيلة بذاته فكل فعل او إجراء أفضى الى الحقيقة هو تحقيق , والقانون إنما وجد ليحمي الحق , فالقانون يستمد شرعيته من حفظه للحقوق.والشرطة عندما تبدأ بالتحقيق الابتدائي لاكتشاف الجريمة هي مخولة بذلك وفق قانون أصول المحاكمات .. فهي تقوم بجمع الأدلة والقرائن التي تثبت العلاقة بين الجريمة ومرتكبيها وإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة.  وفي الوقت الحاضر أضحى الاستجواب والتحقيق الجنائي الذي يمارسه رجال الشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى  علماً حقيقياً، لا يقوم على تعذيب الشخص لانتزاع الاعترافات منه، بل يقوم على التواصل ألايجابي – الماكر بالطبع - مع الشخص لتحصيل المعلومات منه . وتلك في حد ذاتها خطوة كبيرة بالرغم من كل التحفظات . فيها يتحول الاستجواب من كونه إحدى الممارسات البوليسية العنيفة التي تدخل ضمن نطاق العنف ، ليصبح ممارسة علمية تدخل ضمن نطاق العلم، ويتحول من كونه مهارة بوليسية ليصبح مهارة اتصالية.لقد تطور علم الاستجواب وتبلور لدى أجهزة التحقيقات الجنائية والشرطة  وأجهزة مكافحة المخدرات . فالقائمون على الاستجواب في هذه الأمكنة تعلموا كيف يديرون التحقيقات مع المتهمين والخاضعين للتحقيقات. وهم يطلقون على الاستجواب ممارسة (الرقص) لأن فيه كثيرًًا من المداورة والمحاورة والالتفاف حول الحقائق . وبطول ممارستهم لهذا الرقص أضحوا خبراء في كشف الكذب.العجيب أن أغلب خبراء علم الاستجواب أصبحوا الآن يرفضون دخول غرفة التحقيقات. بل يكتفون بمشاهدة ما يحدث بين المحقق القائم بالاستجواب والشخص الخاضع للاستجواب عبر الزجاج المموه، ممسكين بقلم وورقة يدونون عليها ملاحظاتهم فور رصدهم لها. ومن خلال هذه العملية يتمكنون من استقراء معلومات مهمة جداً، يعجز عن استخراجها القائمون بالتحقيق داخل الغرفة.يقول أحد هؤلاء الخبراء: (رصدت مئات الاستجوابات، حتى اكتسبت مهارة كشف الكذب واستقراء المعلومات المخفية بين السطور . وصار الاستجواب بالنسبة لي علماً وليس مجرد عمل . لدرجة أني شيئاً فشيئاً وجدت أن حبي لعلم الاستجواب يتسلل إلى حياتي اليومية العادية. ولا أقصد هنا أني أصبحت أتعامل مع المتهمين والخاضعين للاستجواب كما لو كانوا أناسا عاديين.فلم تعد المسألة بالنسبة لي تحقيقات جنائية بل تحولت إلى ممارسة علمية منزهة عن العنف أو التحيز).ومع انتقال الاستجواب من العنف إلى العلم ، أصبح إحدى مهارات الاتصال،  وليس إحدى مهارات الاصطدام. وهكذا تحول من المجال البوليسي إلى المجال الاجتماعي .ولا غرو ، فالكذب  ليس فقط من شيم المتهمين ، ولكنه إحدى الممارسات الاجتماعية التي لا يمكن نكرانها. ويضفي البشر عليه يوما بعد يوم ألواناً رمادية جديدة لتزيينه وتقبله، ليتوسط المسافة المتصلة بين اللون الأبيض والأسود. لذا أضحى لزاماً على من يريد النجاح في حياته الاجتماعية أن يتقن الاستجواب وكشف الكذب ، ليؤمن نفسه ومصالحه ، ضد هذه الممارسات الاجتماعية والرمادية . فالغرض من عملية الكذب هو خدمة مصلحة الكاذب على حساب مصلحتك أنت . فإذا كنت تعف عن أن تكون أنت الكاذب الرابح ، فحصن نفسك ضد أن تكون الخاسر المكذوب عليه . وحصانتك تكمن في تعلم علم الاستجواب وطرق كشف الكذب ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram