TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:أخلاق الدولة

أحاديث شفوية:أخلاق الدولة

نشر في: 26 أغسطس, 2012: 09:56 م

 احمد المهنا كان مكيافلي أول من استخدم كلمة "دولة" بمعناها الحديث، أي بوصفها سلطة على شعب واقليم. ومكونات الدولة الثلاثة هذه تعكس طابعها العلماني. فهي "أشياء" تشكلت من خلال صيرورة داخل التاريخ، ولم تأت من أي عامل خارجي"خارق للطبيعة". ولكن هذا لم يكن هو اكتشافه الأهم.
ان "أخلاق" الدولة هي اكتشافه الأهم. وهي تتلخص بصفة أساسية بالقوة. الدولة توجد بالقوة وبها تحافظ على نفسها وتستمر. وتكتسب هذه القوة شرعية كاملة طالما كانت تخدم مصالح الدولة. فالدولة بنظره هي القيمة الكبرى. وكل شيء، بما في ذلك الدين نفسه، ينبغي أن يكون خادما لـ"مصالحها العليا"، أو "الأمن القومي" بلغة اليوم. وقد يكون الحكام تصرفوا طوال الوقت على اساس أن سلطتهم هي الغاية. ولكنهم كانوا يفعلون ذلك من وراء أخلاق الدين، وبنوع من الشعور بالذنب حيالها، فقد كان الخوف من الله حقيقيا. ومهما كانوا يفعلون في الحقيقة فأنهم كانوا يزعمون أو يتخيلون أنهم يخدمون حقوق الله جل جلاله. أما أن تكون "الدولة" هي "القيمة الكبرى"، وأن القوة هي سلاحها في البقاء، وأداتها في الحفاظ على مصالحها العليا، فقد كان ذلك هو جديد مكيافلي، هو "أخلاق الدولة" التي أهداها الى العالم الحديث، وبقيت هي القاعدة، وإن أخذت مضمون حكم القانون. ولكن على رأي مكيافلي أيضا فإن "القوانين توجد حيث تتوفر الأسلحة القوية". والحال فإن هذا الإعلاء من قيمة القوة كان "شيئا جديدا ووحشيا ومخيفا" على رأي أحد المؤرخين العظام. فلأول مرة في التاريخ تدخل "القوة" وتكتسب مكانا رفيعا في نظام العالم الأخلاقي.على أن مكيافلي لم يخترع أخلاق الدولة هذه من العدم. لقد كانت موجودة على الدوام ولكن في الممارسة فقط، دون النظرية التي تولى مكيافلي صياغتها لأول مرة. وبسبب من فصل نظرية "أخلاق الدولة" بين السياسة وبين الدين، أمكن ظهور جديد آخر هو علم السياسة. فذلك الفصل جعل من السياسة فاعلية بشرية قابلة للملاحظة والتحليل، ولمعرفة اخفاقاتها ونجاحاتها، وتبين اسباب هذه وتلك، قياسا بمصالح الدولة. وبايجاز أمكن قيام "علم السياسة" الذي هو هدية مكيافلي الثانية الى العالم الحديث.على أن "القوة" التي شرَّعها مكيافلي لم تكن قوة عارية من الأخلاق. فمثل هذه القوة ستكون محض حيوانية كما كان يقول. أما القوة الانسانية فهي التي تكتسب شرعيتها من رضا الشعب، الذي يتحقق بتوفير وسائل الحماية والكرامة والرفاهية. انه على رأي أحد المفكرين قد "افترض، أكثر مما نفترض نحن الآن، بأن الحاكم لابد أن يستخدم سلطانه لصالح الدولة وحسب".يقول في "الأمير":" ان كل ما يطلبه الشعب لا يعدو الخلاص من الطغيان (..) من الضروري لكل أمير أن يكسب صداقة شعبه. وعلى الأمير أن لا يخشى كثيرا من المؤامرات اذا كان الشعب راضيا عنه. أما اذا كان مكروها، ويحس بعداء الشعب له، فان عليه أن يخشى من كل انسان ومن كل شيء". وقد شرعن الثورة بكل وضوح "ولاسيما اذا أثبتت التجارب ان الحكام الجدد قد انتقلوا بالناس من حالة سيئة الى حالة أسوأ".ولكل ذلك فإن مما يبط الفؤاد حقا اختزال الرجل بجملة "الغاية تبرر الوسيلة"،خصوصا اذا لم يبذل المرء جهدا ملائما لفهم معناها. ولعل هذا الخصوص المقصِّر في الإدراك هو السائد على العموم. وللحديث صلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram