TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > حرف علّة:شمعة من أجل مصر

حرف علّة:شمعة من أجل مصر

نشر في: 27 أغسطس, 2012: 06:23 م

 عواد ناصربعد النداء الذي قرأته على أحد المواقع المصرية إلى وقفة احتجاج جماهيرية وإشعال شمعة (حيثما يكون المرء على هذه الأرض) من أجل الحريات المدنية في مصر وعدم أخونة المجتمع، التي بدأت بحصار الثقافة والفن وأماكن الترفيه والتنزه، بعد أن قرأت ذاك النداء كنت في بيتي فقمت من أمام حاسوبي وأشعلت شمعة وتمتمت بكلمات لم يسمعها غيري انبثقت من ضمير يدرك أن العدالة أوسع مفهوم إنساني وأكثر الأماني قابلية للتحقيق لو:
قامت الدولة/ الأمة وليست الدولة/ اللغة أو الدولة/ الدين أو الدولة/ القومية. لأن الدولة الأمة هي المجموع التفاعلي المتكافئ لأفرادها المنحدرين من أجناس وألوان وأديان وقوميات وطوائف و"مجموعات اختيارية – سياسية أو ثقافية أو سلوكية".جرى وضع وتنفيذ بنود دستور مدني، حقيقي، يضمن حقوق الأفراد والجماعات المتنوعين، سياسياً ودينياً وثقافياً، يمكّن الجميع من تفهم الجميع ويعزز لديهم الشعور بالمساواة التي تولّد بدورها روح المواطنة والانتماء للوطن العابر للقوميات والأديان والأقليات والطوائف المتناحرة ويمتص التطرف والعنف إذ لا يعود لهما مكان وزمان يتجمعان ويتوتران وينفجران فيهما، حيث لم تعد مبررات أو ضرورات أو ذرائع للاحتقان والتصادم في مجتمع المواطنين المتساوين.شعر المواطنون بالمساواة التي هي رديف الحرية، لأن عدم المساواة وسلب حقوق المواطن وإقصائه من أي دور، سياسي أو ثقافي أو حتى خدمي، سيتولد في أعماقه شعور حاد بالغبن، وهو شعور يستولد مشاعر وأحاسيس أخرى من بينها الشعور بالاستلاب والغربة وغياب روح المشاركة وبالتالي سيرى الآخرين على أنهم أسباب استلابه وتعاسته وغربته ويصبح مواطناً محاصراً.. مواطناً غير حر.أُخذ العلم والثقافة والفن ينابيعَ ثلاثة يقف عليها أي مجتمع متحضر ويمتح منها ويرتوي، ولم يكتف المجتمع بما يعد اليوم، بحكم العادة والتوريث التقليدي للمفاهيم، عند الثروة الوطنية: النفط والمعادن وصناعاتهما.. ثروة مالية تخلق مجتمع رفاهية استهلاكية، أي شعب غني مالي لكنه فقير روحياً، أي قطيع من البهايم لا يمتلك من مقومات الحضارة غير النقود.عطفاً على رقم 4: لو دخل مليونير أمي لا يفك الحرف مع عالم أو مثقف في مناظرة تخص شأناً من شؤون البلد السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، فعلينا أن نتخيل الحوار وشكله ونتائجه.إن تعبير "مصر أم الدنيا" على ما ينطوي عليه من تفاسير قد لا تسر حتى المصريين، لكنني آخذه مأخذ من فتح عينيه على الكتب والمجلات والسينما والإذاعة المصرية، وما قدمته من فكر وفن وترفيه وفائدة على مر عقود عدة من حياتنا الثقافية العربية، وما حفره رواد التنوير والحرية والإبداع المصريون وستطول اللائحة جداً لو عددت وضربت الأمثلة بأسماء مبدعي مصر وعلمائها ومؤرخيها وما وضعوه بين أيدينا، وفي أرواحنا وعقولنا، من كنوز المعرفة والأدب والفن في شتى المعارف والأفكار والمسرات من الفلسفة إلى الرواية إلى المسرح والسينما والموسيقى والغناء، وكانوا السباقين قولاً وفعلاً.ما زالت شمعتي مشتعلة في غرفتي الصغيرة وأنا أكتب هذا العمود وكأن نورها زاد من ضوء المكان وجعل الغرفة أكثر اتساعاً.هل هو زمن التراجع الشامل والردة المستحكمة؟ارتعش ضوء شمعتي وكأن إخوانجياً متعصباً نفخ عبر زجاج النافذة المغلقة، لكنني تمتمت بصلاتي الخاصة، غير المسموعة، فاستعادت الشمعة عافيتها وتلألأت من جديد.أؤمن بأن لي حصة ما في مصر، كما لي حصة حتى في الله.. الله الديمقراطي الذي خلقنا من شعوب وقبائل لنتعارف منذ زمن سحيق جداً، ولم يزل يرنو إلينا من مكان ما ليزداد زهواً بمخلوقاته المتنوعة، المتعايشة تحت سماء زرقاء فسيحة، ويحمي شموعنا ممن ينفخ بحقد إما ليشعل النار أو ليطفئ شمعتي الصغيرة.شمعة من أجل مصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram