د. فاضل سوداني إن لغة الدراما إذا تشبعت بالاستعارات والصور الشعرية يكون تأثيرها الدرامي أو التراجيدي كبيراً. ولهذا كانت الصور الشعرية في مسرحيات شكسبير ومنذ مسرحياته الأولى تنبثق من داخل القصيدة والحوار، وجو الحدث، وهي في طبيعتها تفرض تطور معانيها. فكل كلمة تصبح كبيان لما سيأتي من معنى تفرضه هذه الصور ويكثر فيها الوصف البياني عن الجو أو الحالة أو موقف البطل وعادة ما تُستَمْد هذه الصور من الطبيعة.
ويُعد شكسبير من الشعراء الذين تفتنهم الطبيعة، وهي ملهمته فيُدخل دائماً مظاهرها في الحدث أو المشهد بحيث تصبح أحياناً أملاً للشخصيات أو تشكل عذاباً و خطراً بالنسبة لها. فالليل في مسرحية روميو وجوليت يعتبر انقاداً للحبيبين والعاصفة والبرق والبرد تشكل عذاباً حقيقياً لشيخ هرم يهيم على وجهه بعد أن فقد الإيمان بكل ما هو إنساني وهو الملك لير.ويعمل شكسبير دائماً على أن الصور الشعرية عن الطبيعة تنبع من التعبير أو الإحساس الداخلي الذاتي للشخصيات. أو أن مظاهرها مثل الشمس والنجوم تخفي الدواخل الحقيقية السوداء للأبطال، أو أنهم يدينون السماء عندما يعتقدون أنها متعاطفة مع ما يحدث من مآسٍ على الأرض ، أو أنهم يتجهون إلى السماء في تمنياتهم عندما ييأسون من البشر على الأرض. وشكسبير يستخدم مختلف التشبيهات والاستعارات التي يستمدها من الطبيعة أو مخلوقاتها بما فيها الإنسان والحيوان والنبات فمظاهر الطبيعة بالنسبة إلى شكسبير هي استعارات شعرية وصورية ودرامية .ويحاول أن يستخدم تشبيهاً ما ليمنحه معنى آخر لم يكن معروفاً به فهو يمنح صفة "الشحوب" للشواطئ البيضاء في مسرحية الملك جون فألصق "البرودة الثلجية" بالسلوك والفعل البشري ((فبحق شرف بلادنا لا تدعونا معلقين كخيوط الثلج نتدلى من سقوف منازلنا بينما نرى شعبنا أشد منا برودة)"10"وبالرغم من أن الصور التالية تبدو غريبة إلا أنها تمتلك معاصرتها وكأن شكسبير تنبأ بمشاكلنا:(وصار أمر انكلترا/ إلى الدفع والجذب والعنف وإلى التكالب على المصالح/ والمنافع الضخمة التي ليس لها الآن صاحب. / الآن تنشب الحرب أظافرها وتكشر عن أنيابها لالتهام عظام الملك العارية / وهي تحملق بغضب في عيون السِلم الوديعة) حيث منح صفة الكلبية و تكشيرة الكلب أو الذئب المتوحش كاستعداد للحرب التي ستحيل كل شيء إلى خراب. فالصورة الإست عارية المعروفة عن الكلب وتكشيرته تصبح تعبيراً استعاريا عن انجلترا والحرب و بهذا فإنها تمتلك تفردها الشكسبيري كصورة إستعارية لها معنى جديد.وما يؤكده وولفجانج كليمن في كتابه "الصور الشعرية عند شكسبير" يعبر عن أهم ميزات المراحل التي مر بها شكسبير طوال إبداعه الفني. ففي مرحلة المسرحيات الأولى فان انبثاق الصورة الشعرية و تسلسلها يتم من خلال كل معنى يؤدي إلى معنى آخر قد يعيق تسلسل المفاهيم والصور والمعنى، وأكثر الصور مستمدة من الطبيعة و مظاهرها الخارجية. وهي عادة استعارات وصور شائعة المعنى و معروفة و لكن في المراحل المتوسطة فان الاستعارات والصور الشعرية غير عادية وغير شائعة، وذلك من خلال أتساع لغة الاستعارة الشكسبيرية وكأنه يتكلم عن أوضاعنا السياسية ويكشف أحوالنا بالرغم من هذا البعد الزمني بيننا وبين عصر شكسبير.
توهج الذاكرة:الاستعارة الشعرية والدرامية
نشر في: 27 أغسطس, 2012: 06:29 م