لقد كانت كل نهضة في دراسات الأداء في نهاية القرن العشرين تشجع الكثير من دارسي المسرح على أن ينظروا نظرة أكثر اتساعاً للنظام الذي يتبعونه وأن يدرسوا نماذج أخرى غير تلك التي سادت في الغرب منذ وقت طويل، فمنذ (أرسطو) كان الكتاب الغربيون يعتقدون بصفة أساسية أن المسرح يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنص المكتوب، أي بتنفيذ النص المكتوب مسبقاً.
فاللغة في المسرح التي كانت تلقى في وقت من الأوقات اهتماماً نظرياً مركزياً، كانت تأخذ بصفة عامة مكاناً أدنى بشكل واضح ، وفي الوقت نفسه قدمت التغيرات التي طرأت على النظرية اللغوية والممارسة المسرحية في نهاية القرن تحدياً يدعو إلى إعادة في اللغة المسرحية وفي الطرق الشتى التي تستطيع بها اللغة أن تقوم بوظيفة فن المسرح.يهدف هذا الكتاب إلى الكيفية التي تستطيع بها زاويا النظر الجديدة التي فتحتها هذه التغيرات إثراء فهمنا للنشاط المسرحي في كل من الماضي والحاضر، حين بدأ تطبيق التحليل الرمزي الوظيفي في المسرح كأحد التطورات النظرية الكبيرة في دراسات المسرح في القرن الماضي، فإنه قرّب بين النظرية المسرحية الحديثة والنظرية اللغوية الحديثة ، وشجع على استخدام نموذج للتواصل من اجل التحليل ، وهذا النموذج الذي تم تطويره من العمل الرائد الذي قام به (سوسير) في أوائل القرن ، ساعياً إلى تطوير وسيلة علمية موضوعية لتحليل الخطاب الإنساني. تناول المؤلف بعض العمليات ومضامين تعدد اللغات في التقاطعات والمفاوضات اللغوية التي تعد أموراً مركزية لفهم التعبير الفني في فترة ما بعد الكولونيالية ، فاستفاض المؤلف في مفهوم (باختين) عن تعدد اللغات على نحو ما بالطريقة التي فعلها (كليفورد) فيما استكشف بعض مظاهر المسرح والأداء بدلاً من استكشاف المظاهر الثقافية والأنثوجرافية الأكثر عمومية ، وساعياً إلى تفحص بعض الطرق التي تقاطعت بها اللغات مع بعضها بعضاً ــ حسب عبارة (كليفورد) ــ في تنويعة واسعة من السياقات المسرحية المختلفة ، وبعض ما تضمنته هذه التقاطعات من حيث التلقي والمحادثات والاستثمارات الثقافية والسياسية والاجتماعية للعرض المسرحي. فمنذ الأزمنة الكلاسيكية القديمة وصاعداً استخدمت الفروق اللغوية ليس لتسكين الشخصيات داخل الثقافات متعددة اللغات أو اللهجات فحسب وإنما دائماً تقريباً لتعكس قوة علاقات القوة الكامنة في الاستخدام اللغوي أيضاً، وعلى الرغم من عدم وجود تراث للغويات المقارنة في الكتابات الإغريقية القديمة ، إلا انه من المؤكد كان هناك وعي باللغات المختلفة واللهجات لدى مؤلفين من أمثال (هيرودوت) على الرغم من عدم وجود تمييز شديد الوضوح بين الاثنين، ويصور (هوميروس) الكارسيين وهم شعب من آسيا الصغرى يتكلم لغة مختلفة تمام الاختلاف عن اللغة الإغريقية بأن كلامهم (كلام همجي)، وهو ابتكار لغوي أثار نقاشاً واسعاً بين من جاءوا بعده من المؤلفين.ووجد المؤلف دراسة وحيدة في ما يخص تعقب المضامين الاجتماعية والثقافية للهجات على خشبة المسرح ، هي تلك التي أجرتها (إنجيلا باو) وركزت فيها على أن تراث لهجة المسرح قد تطور على أساس المهارة الفنية (التقنية) دونما ارتباط مهم بالثقافة الكامنة خلاف اللهجة، وجاءت الدراسة بأمثلة معبرة مأخوذة من الكتب الدراسية الرئيسية لتعلم لهجة المسرح في النصف الماضي من القرن العشرين ، ليس تاريخ لكنة المسرح وأهميتها فحسب وإنما غموضها اللغوي أيضاً يوحى بعدد من التوترات التي تعد جوهرية للخبرة المسرحية، وعلى الأخص ذلك التوتر بين الذات والآخر والتوتر بين ما هو واقعي وما هو تقليدي.كما تناول المؤلف جوانب مختلفة من تعدد اللغات في المسرح وكيف ولماذا استخدمت في نصوص مسرحية مختلفة وماذا تكشفه عن بعض الديناميات الاجتماعية والثقافية في هذا الشكل الفني الذي يتسم بقدر كبير من انعكاس الحياة، إذ يمكن اعتبار الشكل الأنقى لتعدد اللغات في المسرح هو الذي يظهر في مسرحية ما مقاطع كلامية بل ومشاهد كاملة بلغة حقيقية تختلف عن الحدث الرئيسي للمسرحية ، وعلى الرغم من أن هذا قد يبدو ظاهرة غربية إلى حد ما ، إلا أنها في الواقع قد استخدمت عبر تاريخ المسرح وفي أنحاء العالم.اهتم المؤلف اهتماماً خاصاً بالتجريب مثل ذلك الذي يحث في المسرح الألماني المعاصر المنطوق ومسرح تانز الحديث ، فان المسألة التي تشغل بال جميع عمليات التجريب متعددة اللغات في المسرح هي مسألة التلقي ، وليس ثمة شك في أن ازدهار المسرح متعدد اللغات في نهاية القرن العشرين، أثر في تعدد متزايد للغات في المجتمعات حول العالم ، وهذه نتيجة السكان المثقفين وكذلك انهيار كل من المشروعات القومية والكولونيالية في محاولتها لنزع الشرعية وإسكات أصوات الأقلية التي تحدث وربما انقلبت على هيمنتها. والثقافات المتعددة اللغات في العالم الحديث أكثر شيوعاً وأكثر تعقيداً في مزجها لغوياً، وأكثر قابلية للرؤية سياسياً ومسرحياً ، مما كانت في أي وقت في الماضي ، وهذا يعني ان المسرح الذي كان لقرون ذا لغة واحدة في كل من (الإخراج والتلقي) يفترض في كثير من الحالات جمهوراً متعدد اللغات لمسرح متعدد اللغات ، كما هو الحال في الكثير من المسارح في حقبة ما بعد الكولونيالية ، أي جمهور متعدد اللغات على الأقل جزئياً مما يتيح للمسرحيات أن ترسل رسائل مختلفة لقطاعات مختلفة م
الكتبة المسرحية..اللغات المتعددة في المسرح
نشر في: 27 أغسطس, 2012: 06:30 م