TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كتابة على الحيطان: الذين يحترمون أنفسهم!

كتابة على الحيطان: الذين يحترمون أنفسهم!

نشر في: 27 أغسطس, 2012: 08:16 م

 عامر القيسيوزير الداخلية الليبي فوزي عبد العال قدّم استقالته بعد تعرضه لانتقادات بسبب فشله في وقف هجومين على أضرحة صوفية مما أثار المخاوف من انتشار العنف الطائفي في أعقاب سقوط القذافي.
بكل بساطة واحترام للنفس يترك الرجل منصبه لفشل أجهزته من منع هجومين فقط لا غير على مواقع لفئة دينية وبسبب مخاوف من انتشار العنف واحتجاجا على "عبارات غير مقبولة" سمعها من أعضاء المؤتمر الوطني الليبي.لاحظ عزيزي القارئ، بسبب هجومين فقط، لملم الرجل أوراقه وانسحب من منصبه دون جعجعة، لم يتحدث عن اختراقات أمنية ولم يشتم دول الجوار ولم يحمل القوى الأخرى في البرلمان الليبي أو خارجه المسؤولية.. هكذا بكل بساطة عبّر الرجل عن عقلية حضارية واحترام للموقع الذي شغله ولأرواح الناس بالدرجة الأولى.التفجيرات لدينا بالعشرات، وتحدث في معظم الأحيان أن تقرأ وتشاهد أكثر من 15 تفجيرا في يوم واحد نصفها على الأقل من حصة العاصمة المدججة بالجنود والسيطرات والحواجز، ويسقط الضحايا بالعشرات، ومع ذلك لا يهتز كرسي ولا يشعر مسؤول امني ولا وزير بالخجل أو الحرج، لا فرق، ويقدم استقالة من باب رفع العتب، ويغلق الستار على كل ذلك وراء مقولات الخروقات الأمنية والتدخلات الخارجية والتوترات السياسية والتصريحات المثيرة للازدراء من أن "الحرب مع الإرهاب قد انتهت" والأنكى من كل ذلك أن يخرج علينا جنرالات الحكومة الممسكين بزمام أمان أرواحنا بملابسهم الأنيقة وبشاشة وجوههم ليقدموا لنا إحصاءات عن عدد الشهداء والجرحى والتلويح بحتمالات أعمال عنف أكثر قبل العيد وبعد العيد وأثناءه!! ثم يغادرون شاشات الفضائيات وكأن شيئا لم يكن، وافضل ماتقوم به الحكومة هو نقل الفاشلين من مكان الى آخر، ليستمر مسلسل العنف في بلادنا دون رحمة. والاستقالة من المنصب، ثقافة قبل أن تكون موقفا، وهي رؤية حضارية في المجتمعات المتطورة، ولدى الذين يحترمون أنفسهم ومناصبهم والمهام الملقاة على عاتقهم، وزير دفاع ألماني يقدم استقالته لأنه لم يشر إلى المصدر في معلومة اقتبسها لبحث له كان يناقشه مع لجنة خاصة، ورئيس بلدية روما يقدم استقالته لأن امرأة سقطت في حفرة في أحد شوارع روما بسبب عدم وضع لائحة للتحذير، ووزيرة بلجيكية قدمت استقالتها لأن سائقها الخاص استخدم سيارة خاصة بوزارتها في نزهة عائلية، والأمثلة كثيرة في تلك المجتمعات البعيدة عنّا في كل المقاييس، لكن المثال الأقرب لنا ولتجربتنا أفحمنا به وزير داخلية ليبيا الذي لم يهنأ بعد في منصبه أكثر من شهرين. ونحن نقدم النموذج السيئ المعاكس تماما، فلا ضخامة الفساد المالي والاداري في وزارة ما دعت وزيرا الى الاستقالة، باستثناء وزير الكهرباء السابق، ولا التدهور الأمني المتصاعد دفع وكيلا للوزير بل رئيس الوزراء إلى تقديم استقالته باعتباره ممسكا بالملف الامني طولا وعرضا، ولا مسؤولا عن الخدمات استقال من منصبه وهو يشاهد ويستمع يوميا من مقعده الوثير احتجاجات الناس على، ليس سوء الخدمات فقط، بل على انهيارها على كل المستويات، العكس تماما لدينا، عندما ينفي وزير الاتصالات نفيا شديدا وقاطعا نبأ تداولته وسائل الإعلام عن استقالته وكأن الخبر كفرا وإلحادا، في الوقت الذي يحتج على التدخلات السياسية في أعمال وزارته وعدم قناعته بمستشار الوزارة، ولو صحّت الاستقالة فأنها تكون قد جاءت في نهاية المطاف!!حكايات التشريف والتكليف صدّعت رؤوسنا وليس أمامنا، من باب التمني والأحلام الوردية، إلا أن ننتظر لنرى مسؤولين يحترمون أنفسهم قبل ان يحترمونا!!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram