TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > العمود الثامن :بيان الداخلية لا يروي عطش الناس للحقيقية

العمود الثامن :بيان الداخلية لا يروي عطش الناس للحقيقية

نشر في: 28 أغسطس, 2012: 09:49 م

 علي حسين داهمني الحزنُ والأسى حين علمت أن وزارة الداخلية تجشّمت مشقة الردّ على تقرير نشرته المدى حول منع السافرات من دخول مدينة الكاظمية، ومما أثار الأسى في نفسي أن الوزارة السيادية تنفي جملة وتفصيلا كل ما قيل ونشر عن هذه الواقعة، فهي تؤكد إن "بعض وسائل الإعلام تناقلت خبرا مفاده قيام شرطة الآداب في وزارة الداخلية بمنع النساء من غير المحجبات (السافرات) والشباب الذين يرتدون الملابس القصيرة"، من  الدخول إلى منطقة الكاظمية"،
 لكن ما أثار الأسى أكثر أن وزارة الداخلية في كل مرة تصر على إصدار بيان ثوري تعبر فيه عن الدهشة والغضب من إصرار وسائل الإعلام على اختلاق قصص وهمية هدفها التأثير على مكانة الوزارة في قلوب جميع العراقيين، قبل أكثر من عام اطلعت على برنامج حكومة المالكي، واستغربت حينها وأنا اقرأ فقرة عجيبة وغريبة وضعها القائمون عليه تتعلق بالآداب العامة، فقد جاء في الفقرة 34 من البرنامج الحكومي التأكيد على "حماية المجتمع العراقي من الممارسات التي تتعارض مع الدستور وقيمه الدينية، والآداب العامة التي عرف بها المجتمع العراقي وتفعيل القوانين النافذة لمواجهة أي خرق في هذا المجال".أما ما هي الآداب العامة التي عرف بها المجتمع؟ فلم يخبرنا أحد بذلك، أما القوانين النافذة فهي حتما قوانين القائد المؤمن التي شرعها أثناء ارتدائه ثياب الحملة الإيمانية.. وفي حينها سألت عددا من المقربين للحكومة عن واضعي هذه الفقرة ودوافعهم من ورائها فلم أجد سوى إجابات كانت أشبه بخطب مليئة بالجهل والتعصب تزيد الحرائق اشتعالا، ولأن واضعي هذه الفقرة لم يوضحوا لنا كيف كان المجتمع العراقي، ولأن المسؤولين عن وزارة الداخلية لم يقرأوا تاريخ العراق جيدا، فأنني أتمنى عليهم أن يطالعوا سيرة العراقي اليهودي مير بصري وهو يكتب عن صديقة رجل الدين والفكر محمد رضا الشبيبي الذي قضى مجمل حياته وزيرا للمعارف لكنه لم يصدر يوما فرمانا يطالب فيه بحجاب الطالبات، ولم يصدر فتاوى عن الآداب العامة، يقول مير بصري: "كنِّا سنة 1946 في حفلة تخرج لمدرسة ثانوية البنات، فقال الشَّيخ محمد رضا الشِّبيبي، وكنت جالساً إلى جانبه، نرى المدرسات والفتيات سافرات يجئنَّ ويرحنَ ويخطبنَ على المنبر ثم تظهر واحدة منهن تغني فقال لي: هل ترى تقدم الحركة النِّسوية في جيل واحد أو أقل مِنْ جيل في بلادنا! لقد كنتُ وزيراً للمعارف سنة 1924، أي قبل عشرين عاماً فقط، وقد فتحنا مدارس رسمية لتعليم البنات، واستقدمنا المدرسات مِنْ لبنان وغير لبنان، لكنه لم يكن في وسعي أن أزور مدرسة مِنْ تلك المدارس، وترانا اليوم نحضر الحفلات، ونشهد تقدماً لا مثيل له، هذا هو البلد الذي نسعى إلى أن يتطور ويزدهر"، وهذا هو المجتمع العراقي الذي عرف بسماحة أهله وطيبتهم وحبهم للحياة. فيا لها من مفارقة غريبة فهذا البلد الذي يحتاج إلى التنمية والبناء والى إعادة الحياة إلى مدنه التي دمرتها الحروب، يقف البعض من ساسته اليوم ليلقوا على الناس خطبا عن الأخلاق والآداب العامة، متجاوزين انتهاكات السياسيين والفساد المالي والإداري الذي استفحل في عموم مؤسسات الدولة، ولعل المفارقة الأكبر أن المنهاج الحكومي يصف المرأة بأنها نصف المجتمع الفاعل ويشيد بدورها بينما استنكف رئيس الوزراء ان يمنح المرأة منصبا وزاريا فاعلا، والمنهاج نفسه يفرد للثقافة والمثقفين بابا ويدعو إلى دعمهم، لكن واضعيه يمنعون إقامة المهرجانات الفنية وحفلات الغناء في معظم محافظات العراق، بل إنهم يسعون لتهديم المسارح ومراكز الترفيه في مطعم الجامعات. ذكرني إصرار وزارة الداخلية على النفي والحديث عن الحريات الشخصية بما صرح به أمير المسلمين الرئيس السوداني عمر البشير قبل ايام من ان السودان منارة الديمقراطية ومنها انطلقت شرارة الربيع العربي، طبعا نسى الفريق البشير انه وقف قبل اشهر يرد على احتجاجات المنظمات المدنية على حادثة جلد امرأة سودانية بميدان عام من قبل الشرطة وقال:"البعض يتحدث عن الفتاة التي جلدت وفق حدود الله والذين يقولون إنهم خجلوا من هذا عليهم أن يغتسلوا ويصلوا ركعتين ويعودوا إلى الإسلام"، أكثر ما أخشاه أن يخرج علينا مسؤولو وزارة الداخلية يهددوننا بالجلد إن لم نعد إلى طريق الصواب.بيان الداخلية لايجيب على سؤال مهم: كيف تمكنت سيطرات الداخلية من تعليق هذه اليافطات في  مفارز التفتيش؟ ومن وضع صورة الوكيل الاقدم للوزارة في زاوية من زوايا اللافتة؟ وهل ستصدر الوزارة بيانا توضيحيا، ام ان القضية ستنام مع إخوتها من قضايا كثيرة تتعلق باستهداف الحريات العامة، وتغطس في مستنقع الشعارات والخطب الثورية؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram