إحسان شمران الياسري المقاولات صنعة وجدتها الضرورة للتوسط بين صاحب العمل وبين مستلزمات تنفيذ العمل. وهذا تعريف في غاية البساطة يضع المقاول في موقع المنظم للموارد التي يبحث عنها رب العمل لانجاز ما يرمي إليه. ويتولى المقاول مهمة انجاز العمل بالنيابة عن رب العمل مقابل منافع مادية تكون محسوبة ابتداءً من قبل المقاول ومن قبل من كلفّه بذلك.
وبمراجعة لتأريخ الدولة العراقية الحديثة، كانت المؤسسات أمام خيارين في الغالب. أن تتولى هي التنفيذ أو تحيل المهمة للمقاول. وكان المقاول مركزاً قانونياً وإدارياً ومالياً معروفاً بدرجة كافية لتوفير الاطمئنان للمؤسسة. وظلت المؤسسات تعرف المقاول ومدى كفاءته. وتميّز بين مقاول وآخر من حيث الخبرة والاختصاص والوزن النسبي في السوق.ولكل مقاول اسم في سوق العمل لا يدّعي سواه ولا يقبل بأدنى منه. فمقاول البناء ليس مثل مقاول القضايا الصحية ولا مثل مقاول الطرق أو التجهيز أو غيرها من الاختصاصات التي كانت معروفة لكل مؤسسة.. وحتى الضوابط ومعايير الاختيار والمناقصات لا تتم إلا مع أناس تطمئن لهم المؤسسات ولا تقبل بالهواة وأنصاف المقاولين. وبسبب ذلك، مرت الدولة بظروف هي أسوأ من هذهِ الظروف، وبموارد أقل من الموارد التي تتصرف بها الدولة. بل لم يتجرأ هاوٍ للتنافس من أجل الحصول على مقاولة هو يعرف أنه غير مؤهل لانجازها.فما بال دولتنا الآن، وضعت الضوابط بحيث أصبح باعة المخللات مقاولي تجهيز شبكات انترنيت، وصار أصحاب محال ختان الأطفال مقاولي طرق وجسور. وصار باعة اللبن متخصصين بطلاء القباب.إن مؤسسات عظيمة في الدولة يتدهور أداؤها ولا تحصل على فرص للإعمار لمجرد أن أي شخص يستطيع شراء أوراق الدعوة يمكنه أن يدخل في مناقصة التنفيذ. الأدهى من ذلك، إننا نوافق على التعامل مع المقاول حتى لو كان مفلسا بالواقع، فنمنحه حق المباشرة بالعمل من الصفر. وما يفعله هؤلاء الهواة هو تسلم الدفعة الأولى وإرسالها الى إحدى الدول القريبة أو البعيدة، ثم يتورط معه العمال والمقاولون الثانويون بانتظار الدفعات الآتية.إن الخراب الذي تنعم فيه العاصمة وبقية المدن هو الخراب المنظم الذي لا طائلة من الحديث عنه منذ سنوات، وكأن آذان بعض المسؤولين والمؤسسات اعتادت اللوم والتقريع.. حتى صارت مصطلحات مميتة من أمثال (فساد) أو (إهدار) هي من باب التوسع في النقاش وإغنائه وتطوير الأفكار، وليست (نقاط نظام)، كما يحلو لبعض نوابنا أن يضعونها أمام رئيس البرلمان بطريقة ممتعة للتدليل على (حماوة) النقاش والخروج فيه عن الضوابط. كما إن التوقف عن إثارة الأسئلة الكبيرة إزاء القضايا الكبيرة هي من علامات التوقف عن المساءلة.. ولا ينتابني الشك بان حرصنا يجعلنا نرصد القضايا الكبيرة في البلاد التي غابت عنها الأسئلة الكبيرة.إن محاولات إصلاح المؤسسات تتبدد بيسر إن لم نضع للأبجدية بداية مسؤولة، ونضع لها مسؤولين يتم اختيارهم بطريقة مبتكرة للغاية.. لأن سيادة التعميم على كل الناس هو أخطر ما في المشكلة.. فمن غير الصحيح أن نلقي بعباءة الفساد والفشل على كل من يعمل في الدولة.. ففي دولتنا العظيمة ألوف المخلصين والنجباء الذين تحاول عجلات المُفسدين والمخرّبين تلويث سمعتهم، او في الأقل تحييد أدوارهم أو تعطيلها.. وتساعد في ذلك أيادٍ غير نظيفة تحاول إيهامنا بأن الأمر إلى الخراب ولا فائدة من العمل المخلص..
على هامش الصراحة: مقاولات هذه الأيام
نشر في: 31 أغسطس, 2012: 08:47 م