قيس قاسم العجرشكما درجت الجامعات المرموقة على عقد مؤتمرات تتمخض عنها تعريفات متفق عليها لأهم ما يشغل العلماء من مصطلحات، نجد أنفسنا كعراقيين بحاجة إلى مثل هذا المؤتمر كي يحل إشكال "حوار الصمم بالألفاظ" بين الناس والحكومة .
علينا أن نفهم كشعب أولاً ما هي اللغة التي تتحدث بها هذه الحكومة ؟ وما هو المقصود والمراد بالضبط من المعاني في طوفان الكلمات التي تناقض بعضها بعضا ؟هذا الطوفان نسبح فيه منذ أن أصبح "لغو"النائب خبراً ومنذ أن أصبحت الوزارة والكتلة والدائرة الرسمية والحزب والمفوضية والهيئة، كلها تمتلك متحدثاً رسمياً باسمها إلا أن جميع من في هذه المسميات يمتهن "التصريح"لوسائل الإعلام.نعرف من النحاة أن الجملة هي وحدة كلامية تعطي معنى مفهوماً، لكن هذا التكوين لم يصل بعد إلى معارف الحكومة،هي علمت فقط أن لديها مجموعة من الناس يمكن أن يسكروا ..ينتشوا..يتخدروا..بالكلام .نؤكد هذا بدلالة استخدام اللغة في "دوالغ"حكومية يزق بها المواطن يومياً...انظروا إلى هذا ...والدوالغ، لمن لم يكن في العراق منهم ساعة صدور هذا المصطلح مفردها (دالغة) وهي الاحتيالات التكوينية المبنية على الغش اللفظي أولاً.مستشار رئيس الوزراء يعيد تعريف مصطلح"الذلــّة"ويصف إجراءات الدخول إلى إقليم كردستان بأنها "مذلة ومهينة"...عجيب أمرك سيدنا من هاتين الكلمتين!!....الذلة والإهانة ..عجيب مورد استخدامك لها .ألم تسمع عن سبعة ملايين عراقي في بغداد"يهانون"يومياً و"يذلون" كلما تعرضت هيبة دولتكم القانونية إلى عدوان و عمل إرهابي؟ يعني،سيدنا،ألم تسمع ولا حتى في تقرير صحفي واحد حديثاً عن الذلة والإهانة التي ينالها المواطن العراقي في بلده؟ على يد شرطي فظ استأجرت الحكومة فظاظته أو على يد وزير لم يتعرق ولو لدقيقة في قيظ تموز بينما مات خمسة ملايين عراقي بحسرة ظهيرة باردة و قبل أن تتحقق عقود فيليبس وكهربائها الموعودة.ألم تسمع أن 23% من العراقيين تحت خط الفقر وهذه ربما لا تكون مذلة لكنها إهانة لكل عراقي شارك في صناعة الحكومة الحالية وراهن على الديمقراطية(النسخة المسخ من الديمقرطية التي تهان يومياً في العراق).كما لم تسمع عن"إهانة"أهالي بغداد حين قررت الحكومة حبسهم في بيوتهم أسبوعا لتقيم قمة بغداد"الآمنة"التي لم نفهم إلى الآن ما الذي جنى العراق منها وأنا شخصياً أحسست بالذل مضاعفاً بعد الإقامة الجبرية في المنزل عندما قرأت في صحيفة الحكومة تحقيقاً عن (فوائد حظر التجوال) .فاقكم المنصف المرزوقي حينها أدباً وخلقاً حين اعتذر من أهالي بغداد قبل أن يصعد الطائرة القادمة إليها.عجيب.. إلا أن يزول العجب فنفهم أن للسيد المستشار تعريفاً آخر ونحتاً لغوياً مغايراً لما يعرفه الناطقون بالعربية عن مدلول كلمتي "ذلة ومهانة".لكن مرض نقصان المناعة الكلامية هذا أصاب أكثر من مستشار وأكثر من مسؤول،بل هو ينتقل بالعدوى ربما تزدهر فايروساته أكثر في اجتماعات التقاسم التي يحضرها هؤلاء.وعملياً فنحن ندور في فلك(تحشيش)الحكومة اللغوي .فورقة الإصلاح،التي زقــّها المتحدثون ذوو السيارات والحمايات لنا،اكتشفنا أنها نص غير مكتوب قبل أيام فقط...بعد شهور من الجدل الإعلامي واللغوي حول بنودها.ولا ندري إن لم يكن قد توفر حينها قلم وبضع أوراق للذي أطلقها ودار يطرق بها على رؤوسنا.أما مصطلح(سحب الثقة)فقد اكتشفنا علانية أن من يخبرنا بإلغائه هو رئيس الحكومة نفسه ،أي أن المنوي سحب الثقة عنه هو من رد السحب إلى أعقابه وأفتى بانتهائه.هذه سمعنا عنها فقط في بعض الدويلات الإفريقية حين يعلن كل زعيم عصابة(مرشح لانتخابات الرئاسة) ،إنه هو لا غيره من فاز بالانتخابات وليذهب الآخر إلى الجحيم ...في حالتنا اللغوية يمكن أن نقول :فليذهب الشعب العراقي إلى متاهة الحكومة اللغوية وهي مساوية بكثير من الوجوه للجحيم.وحتى نبقى في إطار"الذلة والمهانة"التي عرّفها السيد المستشار لإجراءات الدخول إلى كردستان ، نقول:"الذلة والمهانة "تكمن في اضطرار المسافرين براً إلى الركون للطريق الترابي لأن بوابة العاصمة شمال بغداد لم يكتمل بناؤها من عام 2008."الذلة والمهانة" تكمن في نقطة سيطرة شمال بغداد(مدخل الشعب)حين ننتظر في الزحام لساعة أو أكثر ونمر بعدها على جندي مشغول بالموبايل أو ليرفع بوجهنا الجهاز الأكذوبة المزيف الذي يتحسس العطور."الذلة والمهانة" تكمن حين نـُـقبل على العاصمة بغداد من مدخلها الشمالي فلا نرى سوى غابة من الظلام في الليل وأخرى من الدخان والزحام في النهار.
نقص المناعة الكلامية المكتسب
نشر في: 1 سبتمبر, 2012: 07:14 م