TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > سلاما ياعراق :چانت عايزة

سلاما ياعراق :چانت عايزة

نشر في: 1 سبتمبر, 2012: 09:03 م

 هاشم العقابيشاء الحظ أن تكون الشقة التي أسكنها في شارع مفتوح من طرف واحد. فمن يدخل الشارع ثم يريد الخروج منه، عليه أن يعود من حيث دخل. لا يمنة ولا يسرة ولا حتى لوفة. فان جاءت بي التاكسي، مثلا، لا ادخل السائق لينزلني عند باب الشقة لأنه إن أراد الخروج فما أمامه غير أن يرجع "بك". لذا أجدني دائما أرأف بحال السائق فلا ادخله إلى الشارع أو "الدربونة" بتسمية أدق.
rnسلكت الاتجاه الذي يقودني للمخرج – المدخل، كي اذهب للصيدلية، فلمحت عند رأس الفتحة ثلة من العراقيين كأنهم في انتظار "جودو". وجوههم وطريقة وقوفهم هي التي قاوحت لي بهذا الوصف. كلهم اعرفهم وافرح بلقائهم إلا واحدا منهم. لا اكرهه لكن وجهه المتجهم وتركيبته الوراثية تذكرني بوجه معلم كان معي في مدينة الشعلة عندما يحل "جعب الشهر" فاجتنبه لهذا السبب. ولأنه كان يوم نحس، قررت أن أتجنب الحديث مع أي من خلق الله، فرجعت "بك" للشقة ولسان حالي يقول: فكني ما عايز حزن .. والله بعدني بثوب حزني". زين وعضة الذبانة شلون؟ آخ.rnتحسست ورم العضة فوجدته قد تصلب. مسني رعب. والرعب من طبعه أن يجلب الأفكار السود. وقد يجلب حكومة سودة ومصخمة على شعب بأكمله. والمرعوب شيفهمه؟ بعدين، أليس اللون الأسود في علمنا العراقي مأخوذ من فكرة "سود وقائعنا". ووكعتنا فعلا سودة.rn ليس هذا فقط بل إن اللون الأحمر فيه مأخوذ من "حمر مواضينا". يعني سيوف وتقطر دما. علم وينكط دم! راية الله بيضة، كما تقول أمي. ويجي واحد يسأل عن سر سفك دماء الناس في بلادنا وكأننا لم نرفع الدم راية ترفرف فوق رؤوسنا. تذكرت أيام الابتدائية عندما كنا في الاصطفاف الصباحي نقرأ بفخر وتلذذ "وطن تشيده الجماجم والدم". من عاب هيج وطن إذا فعلا اكو منه بأي مكان بالعالم. تصوروا حائطا بني بالجماجم بدل الطابوق، والدم بدل الجص. أأمة لها علاقة بالحياة وشعراؤها يتغزلون بالجماجم والدم؟ كم أتمنى أن يسمعني مظفر النواب لأتوسل به مقبّلا يديه أن يرفع بيت شعره "خل الدم يجي طوفان كلنه نفوج عبرية"! يالها من صورة مرعبة وبشعة أيضا . شعب يسبح بالدم!rnومن دم إلى دم، تذكرت الطريقة التي عالجت بها أمي لسعة زنبور لدغني يوم كنت صغيرا، وفي كتفي أيضا، وذلك بسفك دمي عند مكان اللدغة. خطر ببالي أن أطبق طريقتها فورا. أحضرت دبوسا عقمت رأسه على النار إلى أن صار احمر و "چككت" به الورم متحملا الألم حتى نزّت منه قطرات دم. أتيت باستكان شاي أحرقت به لفافة من القطن. وحال انطفاء اللهب وضعته فوق الورم فامتص الدم الذي تدفق أكثر بفعل تخلخل الضغط. إنها الطريقة ذاتها التي استعملتها أمي سوى أنها استعملت موس "ناسيت" بدل الدبوس.rnاشتد بي الألم فتسطحت في السرير لأرتاح قليلا. تفحصت هاتفي فوجدت أني نسيته على وضع "الصامت" وكان فيه عدة "مس كولات". احد الأرقام المتصلة، وكان مصريا، تكرر أربع مرات. اتصلت به فجاء الرد انه خارج الخدمة! وبعد ربع ساعة عاود الاتصال فكان من صديق يعيش في أوروبا. ومثلما ندمت على خروجي للصيدلية ندمت على عدم تركي الهاتف في وضع الصمت. فبعد المكالمة، حقا چانت عايزة التمت.rnوقبل أن أترككم  لأخبركم غدا بما جرى، أنصح القراء العراقيين الكرام أن لا يفسروا أو يترجموا لأطفالهم معاني الألوان في علمنا العراقي حماية لقلوبهم الرقيقة من الصدمات ولنفوسهم الصافية من التعقيد.rn

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram