علي حسينمن المحاصصة الطائفية إلى محكمة الفقهاء، ومن دولة الفساد إلى دولة المزورين والمرتشين وسراق المال العام، يمضي العراق اليوم بعد عملية سطو لمقدرات البلد جرت في وضح النهار، لعلنا نسيء كثيرا إلى مفهوم الدولة المتخلفة حين نصف الذي جرى ويجري منذ أعوام والذي يمكن ان نسميه وبوضوح سرقة بالإكراه لإرادة الناس وخياراتهم في مجتمع امن مزدهر ومستقر ينعم بالرفاهية، إلا ان الأحداث تثبت بالدليل القاطع أن هناك سياسيين قرروا التلاعب في مصائر الناس،
rn وإعلان أنفسهم المالكين الوحيدين لهذا البلد ومن يعترض فليس أمامه سوى البحث عن تأشيرة خروج من الوطن، أليست هذه هي الديمقراطية التي كنتم تبحثون عنها.. هكذا أجابني يوما احد المسؤولين، وأنا أحاوره حول انعدام الكفاءات في معظم مؤسسات الدولة.. الرجل وهو نائب معروف بشطحاته المثيرة للجدل قال لي: في كل الديمقراطيات الحديثة الناس تحتكم لصناديق الانتخابات، وهي التي تقول نعم لهذا الشخص أو لا لأشخاص آخرين، حتى وان كانوا خبراء في مجال عملهم. rnمن وجهة نظر السيد النائب فان الفائزين في الانتخابات انتصروا، ومن حقهم اقتسام السلطة بكل منافعها، حديث النائب يكشف إلى أي مدى يمكن قصف أدمغة الناس البسطاء بأسلحة مجرمة في الممارسة الديمقراطية. rn"الصناديق هي التي تحدد" تذكرت هذا الشعار الذي رفعه النائب وانا اقرأ التقرير الصحفي الذي نشرته المدى امس، والذي كشفت لجنة النزاهة البرلمانية فيه عن وجود أكثر من 30 ألف شهادة دراسية مزورة في جميع مؤسسات الدولة من ضمنهم أكثر من 2000 مسؤول كبير، ممن هم بدرجة نائب في البرلمان أو من هم وكلاء وزراء او مدراء عامون، او اعضاء لمجالس المحافظات زوروا شهاداتهم وهم الآن يتمتعون بمناصبهم الحالية.rnالتقرير المثير يكشف أن "انتخابات مجالس المحافظات عام 2009 شهدت تزوير 357 شهادة دراسية، حصل بعض أصحابها على مقاعد في مجلس المحافظة في حين أن هناك 107 أشخاص رشحوا أنفسهم في الانتخابات النيابية لعام 2010 وثبت الآن أنهم زوروا شهاداتهم الدراسية".rnهذه هي ديمقراطية الصناديق التي يرفع لواءها ساسة اليوم، والتي تشير كل دلائلها إلى أننا ذاهبون وبقوة وبإرادة سياسية إلى مجهول لا يعلمه إلا الله، ذاهبون إلى "مصيبة" محققة لا رجعة منها، سيقولون إنني متشائم، لكن تقرير لجنة النزاهة هذا يجعلني أرى حجم الخراب والفساد الذي اخذ يحيط بنا من كل جانب، ومع هذا فأن الحكومة ومعها مجلس النواب يرون الواقع بعين أخرى فهم مصممون على أن يقدموا لنا كل يوم انجازا يسعد الملايين من العراقيين، فالساسة جميعا مصرون على أن يعملوا من اجل المواطن البسيط، فيما المواطن ناكر للجميل، غاضب منهم متشكك فيهم، ورافض لهم، على الرغم مما فعلوه من اجله، فما الضير أن يقدم مسؤول على تزوير وثائقه كي يحصل على مقعد في البرلمان، من اجل أن يحقق طموحه في خدمة الشعب، وما المشكلة حين نجد العديد من اعضاء المجالس المحلية ناضلوا وعملوا المستحيل، من اجل الفوز بشهادة مزورة تضمن لهم كرسيا في مجلس المحافظة، فالهدف في النهاية هو السهر على راحة المواطن وخدمته.. وهي مهمة وطنية يجب علينا ألا نضع العصي والعراقيل في طريقها.. اما ما تقدمه تقارير المنظمات الدولية عن حجم الفساد في العراق، فالأمر لا يعدو مجرد مؤامرة تقودها قوى خارجية تسعى لتخريب العملية السياسية، للأسف سيحاط ملف التزوير هذا بصمت حكومي، وبموقف لامبالاة من القضاء.. وبسيل برلماني من الاتهامات والخطب والبيانات الثورية، الحكومة تضحك علينا وعلى العالم أجمع عندما ترفع شعار "لا اعلم" وتمارس سياسة اللامبالاة، وتقسم بأغلظ الأيمان أنها لا تعرف حجم ملف التزوير ولا عدد الرؤوس الكبيرة من المزورين ممن يسيطرون على مؤسسات الدولة، وسيخرج علينا عدد من النواب ممن زوروا وثائقهم بإصدار بيانات باردة وغير صحيحة، عن أن ملف التزوير من صنع أعداء العملية السياسية، وعلى الجميع أن يحترم التجربة الديمقراطية الجديدة التي أوصلتهم الى مقاعد السلطة، إلا أن هؤلاء المزورين يضحكون على أنفسهم حين يعتقدون بان الناس ستصدقهم، فمثل هذه البيانات الميتة والمضحكة لا تصل للناس، وعندما تصلهم لا يقتنعون بها، بل ويضحكون في سرهم منها، لأنهم يدركون جيدا إنهم أسرى لنظام سياسي يطارد الكفاءات ويمنع أهل الخبرة، ويمكّن المزورين والمرتشرين والسراق من التحكم بمقدرات الناس، والنتيجة أن النار تستعر في النفوس، الفساد كبير والخراب اكبر. rnومن ينكر ذلك أعمى!!rn
العمود الثامن:متى يتحرر العراق من استعمار المزورين؟
نشر في: 1 سبتمبر, 2012: 09:58 م