اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > في يوم جميل من أوبرا بوتشيني

في يوم جميل من أوبرا بوتشيني

نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 05:30 م

صلاح نيازي بكى المؤلف الأوبرالي الإيطالي بوتشيني Puccini  (1858- 1924) بكاء لازمه طيلة حياته، بعد فشل أوبراه مدام بتر فلاي (Madam Butterfly) (مدام فراشة) (1) في ليلتها الأولى عام 1904 بدار أوبرا لاسكالا بميلانو.شتى أصوات الاستهجان والصفير. إخفاق بالمطلق Fiasco(2)  لم يكنْ متوقعاً، لا سيما بعد انتظام أكبر المغنين الأوبراليين، زمانئذ لأداء الأدوار. كانت أوبرات بوتشيني الخمس السابقة، ومن بينها أوبرا توسكا والحياة البوهيمية La boheme
  قد بوأته مكانة مزدهاة، فظنّ فطاحلة الموسيقيين أنه سيخلف فيردي، ولو إنهما معدِنان مختلفان. كان بوتشيني: Verist  أيْ يؤثر العادي في الفن، على البطولي أو الأسطوري. يا الله ،لا أدري كيف انجررتُ إلى فشل بوتشيني، وما الفكرة الأساسية من هذه المقالة الصغيرة بالأصل إلاّ الكشف عن تقنيات كاتبيْ النص الأوبرالي Librettos في التصويتة الأوبرالية الشهيرة :(في يوم جميل:UN BEL DI ) ، وفي منظورية المشهد المكاني لها SETTING على وجه الخصوص. (سنعالج هذه النقطة في ما بعد)، وكيف ألّفها بوتشيني موسيقياً، وكيف غنّتها المغنية الأوبرالية الاسبانية فكتوريا دي لوس انخليس.مع ذلك، فما دمتُ قد بدأت بداية شبه ملتوية، إلى حدٍّ ما فما الضير،إن كانت توصلنا إلى الهدف، على قاعدة شيكسبير :"إننا قد نتوصل بالطرق الملتوية إلى هدفنا"، إذنْ لنتوقفْ قليلاً عند فشل بوتشيني، وكيف عالجه، ففيه عظة بالغة لنا جميعاً، شبّاناً ناهضين أو شيوخاً.لكنْ قبل ذلك لا بدّ من القول إن القواميس العربية، وكذلك بعض المقالات المتخصصة، خذلتني في إيجاد ترجمة مقبولة لمصطلح  ARIA فهي مرّة لحن أو نغم، ومرة أخرى أغنية قصيرة. لذا اٌقترح كلمة تنجيمة أو تصويتة كترجمة مؤقتة.إذنْ بكى بوتشيني، لكنّه لم يركب رأسه، ويتهم الجمهور بسوء الذوق. يبدو أنّه لم يلمْ إلاّ نفسه. راح يتفحص عيوب تأليفه. وفي غضون ثمانية أشهر، شعر انّ الفصل الثاني طويل، فقسمه إلى فصلين وهكذا أصبحت الأوبرا من ثلاثة فصول. ثمّ " أغرق نفسه بحماسة في الموسيقى الشعبية  للحياة اليابانية وبموسيقاها الدينية. انغمر فيها، لدرجة راح معها يتعلّم الخامة الاعتيادية للصوت النسائي الياباني، من ممثلة تدعى سادا جاكو التي كانت سائحة  بلندن". قيل إن بوتشيني أدخل بعد ذلك أنغام عشر أغان يابانية في هذه الأوبرا.عُرِضَت مدام بترفلاي بهويتها الجديدة، بعد ثمانية أشهر، في دار أوبرا أصغر، فكان نجاحها مذهلاً. انتقلت بعد ذلك أوّلاً إلى دار لاسكالا التي شهدت فشلها الأوّل، فقوبلت بالترحاب والتصفيق.  الغريب أن بوتشيني حتى بعد نجاح مدام بترفلاي بنيويورك ولندن وبقية الحواضر الأوروبية، كان يجري عليها التعديل بعد التعديل بعد كلّ عرض حتى بلغ عدد التعديلات خمسة،  من عام 1904 -1907.وها هي  أوبرا مدام بترفلاي الآن، تُعَدّ من بين أشهر عشر أوبرات في العالم، وأكثرها شعبية.أمّا  تصويتة : "في يومٍ جميل" فمن أرقّ وأدقّ  وأحذق التصويتات الأوبرالية. كيف تحوّلت الكلمات البسيطة إلى نفائس عاطفية عميقة؟ :في يومٍ جميلٍ سنرىخيطاً من الدخان سيصعدعلى أبعدأفقٍ على البحروبعد ذلك تظهر الباخرةوبعد ذلك تدخل الباخرة البيضاءالبحروهي تصفر تحيّتها العسكرية ألا تريْنَ ؟ لقد جاء!لن أنزل من التلّ لملاقاتهلا، سأقف على حافة التلّ وأنتظروأنتظر مدّةً طويلةً ولا أسأم من الانتظار الطويلومن بين المدينة المزدحمة هناكيأتي رجل – بقعة صغيرة –ويصعد على التلّمَنْ سيكون؟ مَنْ سيكون؟ وحينما يصل، ما الذي سيقوله ما الذي سيقولهسينادي بترفلاي من بعيد...إلخ تتوقّت هذه التصويتة في بداية الفصل الثاني، حيث كانت مدام بترفلاي تنتظر عودة زوجها بعد أن غاب عنها ثلاث سنين. أنجبتْ منه في غيابه ولداً. لكنْ لنبدأْ من البداية. في الفصل الأوّل تزوّجت مدام بترفلاي واسمها الحقيقي تشو - تشو - سان، من ضابط في البحرية الأميركية اسمه بنكرتون. لم يكنْ جادّاً . اعتبرها أُلْهيّة عابثة. على عكسها هي. أنكرت دينها من أجله، فحلتْ عليها لعنة الأب والكاهن. كان عمرها خمسة عشر عاماً..هكذا جعل كاتبا النصّ هذه الفتاة، صغيرة ومقطوعة. بهذه الحيلة الفنية، آستدرّا عاطفة النظّارة. مضت الآن ثلاث سنوات على رحيل زوجها الذي استجاب لنداء الواجب في الخارج. كانت متأكدة من عودته، لأنه هكذا وعدها. لم تنفعْ معها نصائح خادمتها سوزوكي اليائسة. استولى عليها الوهم وتملّك رأسها . ما من فكاك بلغ الوهم حدّ التجسّد. ها هو زوجها يتمثّل لها اليوم عائداً، وها هي ترى في أقصى الأفق خيط دخان سفينته. لبست ثوب عرسها ثانية لاستقباله، وتوّجت شعرها بالورد، وقررت أن تسهر حتى الصباح في انتظاره. ما أطولها من ليلة إذنْ. هكذا تبدأ التصويتة من أبعد نقطة في الأفق، على شكل خيط صغير من الدخان، ثمّ يكبر ويكبر تدريجيّاً ويصبح باخرة بيضاء. نموّ ذلك الخيط إلى باخرة يستغرق وقتاً بطيئاً وطويلاً يقطّع النياط، ويزيد من أُوار التلهّف. تبطئه الحركة وهي طويلة أصلاً، يفسح مجالاً أكبر لتوسيع الانتظار وتركيم الهواجس.حتى حينما يظهر الزوج العائد في الميناء، لم يكنْ سوى بقعة صغيرة في زحام. أوّل الأمر. تقترب البقعة ببطء أشدّ، وتك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طقس العراق.. أجواء صحوة وانخفاض في درجات الحرارة

أسعار صرف الدولار تستقر في بغداد

تنفيذ أوامر قبض بحق موظفين في كهرباء واسط لاختلاسهما مبالغ مالية

إطلاق تطبيق إلكتروني لمتقاعدي العراق

"في 24 ساعة".. حملة كامالا هاريس تجمع 81 مليون دولار

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram