سامي عبد الحميدالحداثة وما بعد الحداثة مصطلحان مخادعان رجراجان ويبدو لي أن تطبيقهما في حقل الفن المسرحي لا حدود لهما، وللمصطلحين علاقة بالتحديث او فعل التحول من القديم الى الجديد. الحداثة حركة واتجاه يشمل الادب والفن ووقف أصحابها بالضد من الأعراف التي عفا عليها الزمن وراحوا يبحثون عن البدائل.
يخلط البعض بين مصطلح (حديث) ومصطلح (معاصر) وللتوضيح فان ما هو (معاصر) يعيش معنا نشهده ونسمعه، أما (الحديث) فقد مضى ولكن ليس بعيداً عنا وللحديث صلة بالجديد، ومع ذلك فقد يظل البعض يخلطون المصطلحين لأن المعاصر هو ايضاً جديد ولأن الحديث هو ايضاً معاصر في زمنه.يرى البعض ان بداية عصر الحداثة هي في منتصف القرن التاسع عشر، ومع الثورة الصناعية وظهور الاتجاه الواقعي في الأدب والفن، ويرى آخرون ان الحداثة بدأت مع ظهور الرومانتيكية نهاية القرن الثامن عشر، ويرى البعض ان عصر (ما بعد الحداثة) بدأ مع ظهور الاتجاهات المضادة للواقعية الرمزية والتعبيرية والدادائية والمستقبلية والسوريالية، بينما يرى آخرون ان (ما بعد الحداثة) في المسرح قد تأكدت مع ظهور اليسار الجديد في فرنسا اولاً وفي بقية انحاء العالم في ما بعد.ابرز المبادئ التي طرحها أصحاب ما بعد الحداثة هي أولا: التشكيك في منطلقات الحركة الحداثوية وفلسفتها، وثانياً: اللجوء الى خلط الاساليب الفنية او الادبية وتداخلها حتى وان اختلفت مضامينها وبذلك رجعوا الى كابوسية التعبيرية، وثالثاً: اعتماد تقنية (التلطيخ) أو (فن الكولاج في الفن البصري) ورابعاً، كسر الحواجز بين الفنون وعدم حصر الإبداع ضمن حدود صارمة، وخامساً، عدم التزام ما بعد الحداثة بوحدة العمل الفني وبذلك ترجع الى السوريالية في تقنياتها.نعم، كان لأصحاب حركة اليسار الجديد (ماركوس ولاينغ وبراون) تأثيرهم في فلسفة ما بعد الحداثة وانعكاسها في العمل الفني، ومن آرائهم: افكار سلطة البروليتاريا في حياة المجتمع وبدلاً من ذلك سلطة التكنولوجيا الجديدة.وتضمن آراء (فرويد) عن مبدأ اللذة ورتابة الواقع، وبدلاً من ذلك القاء تلك الرقابة والغاء الكوابح سواء كانت اجتماعية أو دينية او عرفية او قانونية.كان لآراء علماء الاجتماع المعاصرين أثرها في بلورة توجهات اصحاب ما بعد الحداثة خصوصاً في مجال الفن المسرحي، فمبدأ لعب الادوار وتبادلها، ونظرية (اللعب) ومبدأ التظاهر والتحول والرأي حول شمولية الإنسان الثقافية وعلى سبيل المثال وجود الأساطير لدى جميع الامم وكذلك الحال بالنسبة للطقوس وذلك رجوع الى رأي (يونغ) حول اللاشعور الجمعي.كان (بان كوت) البولوني احد المفكرين المؤثرين في مسرح (ما بعد الحداثة) وذلك من خلال كتابة (شكسبير معاصرنا) وفيه القاء ضوء على مسرحيات ذلك الشاعر الكبير وما فيها من اهتمامات تخص المجتمع المعاصر وبذلك فان (كوت) قد قرأ مسرحيات شكسبير قراءة جديدة.وبناء على ما ذكرناه هناك عدد من القواسم المشتركة التي تُميز مسرح ما بعد الحداثة.. وهي كالآتي:1- الاهتمام المتزايد بالقضايا السياسية والاقتصادية المعاصرة.2- رفض الرأي القائل أن هناك حلا واحدا للمشكلة.3- المسرح ليس مكانا للتجارة يعطي ويأخذ.4- التمثيل الطاقمي تعاون ليس لأحد أهمية اكبر.5- الارتجال التقنية الأولى في العمل المسرحي، وحرية الممثل.6- العودة الى الطقس.7- البحث عن بيئة جديدة للعرض غير بناية المسرح التقليدية.8- اشراك الجمهور في العمل المسرحي.9- تفعيل مبادئ علم الدلالة (سميولوجي) في العرض المسرحي في مجال اخراج المسرحية فقد اهتم مخرجو ما بعد الحداثة في كيفية الاستفادة من السيمولوجيا واثر الدلالات وكيفية إيصالها الى المتفرج، دلالة للمخرج الجديد ان يحدد انظمة علاماته التي تخص التلقي وانظمة الجمهور المسرحي وتفسيراته المختلفة لتلك العلامات.
كواليس: مسرح ما بعد الحداثة!
نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 07:36 م