حازم مبيضينمن حق أي تنظيم سياسي عراقي, حتى وإن كانت جذوره دينية, العمل على ترويج أفكاره لوضعها موضع التنفيذ, مستنداً إلى تأييد شعبي, حتى وإن كان ذلك على أسس مذهبية, كما هو الحال الراهن في العراق, حيث يتم السعي حثيثاً لإخضاع السلطة القضائية للولاية الدينية, من خلال منح رجال الدين حق النقض في قانون المحكمة الاتحادية,
التي تمثل المرجع الأساس الناظم للقوانين, والحكم الفيصل بين مؤسسات الدولة الرئيسة, وفوق هذا وقبله سلطة تفسير الدستور, بما هو القانون الأساس الحاكم لكل من يتصدى للعمل العام في عراق ما بعد صدام حسين, والمتضمن للأسف ثغرات نجمت عن الحضور الطاغي للمؤسسة الدينية حين تمت كتابته.المحكمة الاتحادية هي من يحدد شكل الدولة، وإفلاتها من سيطرة وضغوط رجال الدين, يعني أن الركن الأساس المانع لقيام دولة دينية ما زال قوياً, وقادراً على ضبط الأمور, أما في حال نجاح الأحزاب الدينية المهيمنة على البرلمان في فرض الولاية الكهنوتية عليها, فإن الدولة المدنية المنشودة ستغيب عن حياة العراقيين, الذين سيجدون أنفسهم بحاجة لولي الفقيه, أو المرشد العام للجماعة, ويقيناً أن ذلك لم يكن طموح الناس البسطاء الطيبين, التواقين للحرية والديمقراطية.الدولة الدينية في بلاد الرافدين, إن قدر لها النشوء ستكون مغطاة بعباءة مذهبية, وسيؤدي ذلك إلى بروز رافضين لها من المذهب الآخر, بما يعني حتماً العودة إلى المربع الأول للصراع, الذي خبت ناره قليلاً وإن كانت ماتزال تحت الرماد, والمؤكد أن الشعب العراقي في غنىً عما تخطط له الأحزاب السياسية المنبثقة من أسس دينية, ليس بأهداف تتوخى رضى الله, بقدر ما تكمن نواياها في البقاء في مواقع السلطة, لجني المزيد من المكاسب, التي لايمكن لعاقل وصفها بالحلال.نعرف أن القوى الإسلامية نجحت حتى اللحظة في التأثير على التفكير الآني للكثير من قطاعات المجتمع, بحكم توقها للتغيير والإفلات من هيمنة فكر البعث, الذي سيطر على مفاصل حياة العراقيين لعدة عقود, لكننا نعرف أن مراجعة بسيطة لفكر المواطن العراقي, ستقودنا إلى اكتشاف تمسكه بحريته الفردية, بما فيها مشاعره الدينية نحو خالقه, وهذه ليست على علاقة بتسييس الدين, وإخضاعه لرغبات أحزاب همها الحكم والسلطة, وما تمنحه من مكاسب, ولعل في توق كبار السن إلى ما كان سائداً أيام الملكية, على مافيه من سوء, تفسيراً لمزاج الشارع العراقي, المؤمن حتماً بالدولة المدنية الخاضعة لقوانين يشارك في صياغتها, بدل الخضوع لتفسيرات متباينة للقوانين الدينية.مشكلة الدولة العراقية الحديثة, أنها واقعة بين مجموعة من الدول المحكومة باسم الدين, ابتداءً بإيران المحكومة برأي ولي الفقيه منفرداً, ومروراً بتركيا الساعية للمواءمة بين توجهاتها الدينية وطموحاتها السياسية, التي تفرض عليها إبراز نظام حكمها على أنه علماني, والسعودية المحكومة بالمذهب الوهابي السلفي, وصولاً إلى مصر الخاضعة اليوم لحكم الإخوان المسلمين, ويدور في فلك هذه الأنظمة الأكبر أنظمة تتوسل الدين لاستمرار حكامها في مواقعهم, أو تتوسل دعم الأنظمة الرئيسة للهدف عينه, فهل يحتاج العراق لأن يكون مركزاً تدور في فلكه أنظمة تابعة, أم يدور هو في فلك نظام أقوى ودائماً على أسس مذهبية.الدولة المدنية وليست الدينية هي هدف العراقيين, حتى وإن زعمت الأحزاب الحاكمة غير ذلك.
في الحدث: العراق دولة دينية !
نشر في: 3 سبتمبر, 2012: 08:13 م